|
08-05-2006, 02:28 AM | #1 |
موقوف
|
الموت ونسيان الماضي
إذا كان الهدف من الحياة هو أن ننمي فينا الفضائل التي تصل إلى كمالها في الله، لكي نتلقى ونمارس صفاته الحسنى بأكبر درجاتها، ونزداد بذلك قربا من الله، وإذا كانت الأعمال الصالحة تعزز هذا النمو، والسيئات تدمره، فإن الإنسان يكسب أو يخسر طبقا لعمله. ذكر الله ذلك المبدأ وأكده وكرره بوضوح، نذكر على سبيل المثال:
· {ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَن اللهَ لَيْسَ بِظَلامٍ للْعَبِيدِ} (آل عمران: 181-182). · { قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن ربكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} (الأنعام: 104). · {قُلْ يَا أَيهَا الناسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَق مِن ربكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَل فَإِنمَا يَضِل عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} (يونس: 108). · {وَمَن جَاهَدَ فَإِنمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِن اللهَ لَغَنِي عَنِ العَالَمِينَ} (العنكبوت: 6). توضح الأقوال في القرآن وفي سنة النبي -صلي الله عليه وسلم- أن قلب المسيء مظلم وقاس كالحجر، وأن قلوب الصالحين لينة وحساسة، تتلقى إرشاد الله الذي يقفز فورا إلى العقل. فتبين آيات الله أن من يعملون السيئات يدمرون أنفسهم بسيئاتهم؛ إذ إنهم لا يظلمون سوى أنفسهم. ومع عظم الأذى الذي يصيبنا من السيئة نحو التقدم الروحي، فإن الباب مفتوح دائما لإصلاح الذات "التوبة" بفضل مغفرة الله ورحمته. فعندما يغفر لنا يفعل أكثر من مجرد تجاوز أو محو سيئاتنا، فنجده يساعدنا على إصلاح الأذى الذي أصبنا به أنفسنا: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما} (الأحزاب: 71). ويرشدنا إلى إحياء أرواحنا: {وَيَجْعَل لكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رحِيمٌ} (الحديد: 28). وتأتي المبادرة من المذنب؛ لأن الخطوة الأولى للإصلاح تبدأ بـ"الاعتراف بالذنب"؛ لأننا يجب أن نعرف سوء سلوكنا ونعترف بحاجاتنا إلى معرفة الله لكي نبدأ في الشفاء. هذا يشبه كثيرا ما يقوله مستشارو الكحوليات لأسر مدمني المخدرات اليائسة: لن يمكنا مساعدة المدمن إذا لم يعترف بأن لديه مشكلة، وأنه يحتاج لمساعدة، فالصدق والإخلاص جوهريان هنا. وغالبا ما يكون الشفاء من الذنب عملية صعبة ومؤلمة، تساندها مغفرة الله. فهي تعني البدء من جديد، ومعاناة آلام النمو والتي تستلزم عملا وجهدا. إنها ليست لحظة منفرة التي تصلحنا، بل هو الالتزام الأمين بتحول حياتنا تحولا كاملا وتحسين أنفسنا. وهكذا، يصرح القرآن أن توبة اللحظة الأخيرة من الحياة للنجاة من عذاب الآخرة لا تجدي؛ لأن حافزنا لم يكن رغبة صادقة للإصلاح، ولم يتبق في الحياة وقتا كافيا لتحسين الذات: {وَلَيْسَتِ التوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السيئَاتِ حَتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِني تُبْتُ الآنَ وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابا أليما} (النساء:18). الموت ونسيان الماضي يضع الله بين أعين الإنسان حقيقة لا بد أن يتذكرها حتى لا تأخذه الدنيا من الآخرة. هذه الحقيقة كثيرا ما تتردد في القرآن {كُل نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُم إلينَا تُرْجَعُونَ} (العنكبوت:57)، فنقطة النهاية لرحلة الإنسان على الأرض تتمثل في "الموت" الذي يُعَد هدفا للعودة إلى رحاب الله. وبذلك تكون علاقتنا بالله هي التي لها أهمية، ومع ذلك يكون من الخطأ أن نقول أنها كل ما يهم؛ لأنه كما علمنا، ترتبط علاقتنا مع الله تماما بتعاملنا مع أخينا الإنسان. وتلعب العبادات والتأمل والذكر أدوارا متماسكة تقربنا من الله. وتشبه لحظة البعث كما يصورها القرآن إيقاظا من نوم عميق، فينفخ صوت مدو ليوقظ الموتى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصورِ} (الأنعام: 73). وسوف يهرول الناس في ذعر من قبورهم التي يشير إليها القرآن على أنها "أماكن نومهم": {وَنُفِخَ فِي الصورِ فَصَعِقَ مَن فِي السمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلا مَن شَاءَ اللهُ ثُم نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر :68). وتبدو الحياة الدنيا وكأنها خيال، يرتبكون حول زمن وجودهم على الأرض، يقدرها بعضهم بعشر أيام أو أقل، ويقدرها آخرون بيوم أو أقل: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لبِثْتُمْ إِلا عَشْرا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَة إِن لبِثْتُمْ إِلا يَوْما} (طه: 103-104). تماما مثل حلم الإنسان، تفصيلاته تكون غير واضحة، فسوف تكون رؤية الناس مشوشة، مثل من استيقظ من النوم لتوه {فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ} (القيامة:7). ثم تحتد رؤيتهم بعد ذلك ويدركون الحقيقة: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَق ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُل نَفْسٍ معَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ منْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليوْمَ حَدِيدٌ} (ق: 19-22). ويبدو الصالحون وكأن لديهم ذكرى طفيفة عن صراعاتهم الدنيوية، ومن حقت عليهم اللعنة يبدو أن لهم ذكرى طفيفة عن ملذاتهم الأرضية، فقد ذكر أنس - رضي الله عنه- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال له: يا بن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى أشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط". ولا نقصد من ذلك أن حياتنا على الأرض كانت أحلاما أو أوهاما. فكل ما نمارسه واقعا وجزاء أعمالنا سوف تجنيه أرواحنا في الآخرة ولكن برحمة من الله، فالشدائد التي يتحملها المؤمنون الصادقون سوف تمحى من ذاكرتهم ، مثل طفل حديث الولادة. سينسى الصالحون وجودهم السابق، رغم أنه الذي حملهم إلى حيث هم فيه من جنات ونعيم. |
08-05-2006, 02:49 AM | #2 |
][§¤حلا لامِـــع¤§][
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
الســـلام عليــكم ورحمـــة الله وبركــاته
اخوي المغـــربي شكـــرا لك على مواضيعك الجمـــيله ونـــسأل الله العفــو والعافــيه وجزاك الله كل خير وجعـــــــــله في ميزان اعمــالك ودمـــت بحفظ الرحمـــن |
|
|
08-05-2006, 04:09 AM | #3 |
موقوف
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
المغربى
بارك الله فيك اخى الكريم وجزاك عنا خيرااااااااااااااا ابداعاتك الجميله تجعلنى احتار فى انتقاء ولو كلمه شكر عليها ولكن يكفيك جزاء الله فهو خير الجزاء دمت فى رعايه الله وامنه الروك |
08-05-2006, 04:34 PM | #4 |
موقوف
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
اعصار كترينا
* * * روك * * * مأجمل مروركم هذا الذي اسعدني كثيرا واتمنى ان نبقى دائما على تواصل هادف * * * * علينا جميعا ان نكون سعداء وقانعين بما اعطانا الله تعالى من رزق وفكر وعقل واتمنى من الله العلي القدير ان يجعلنا اهلا للعلم * * * شاكر لكم هذا المرور والاطلالة على امل المزيد دمتم في رعاية الله |
09-05-2006, 01:47 AM | #5 |
][§¤حلا لامِـــع¤§][
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
اخي المغربي
جزاك اللـــــــــــــــه خيــر على هذا الموضوع الجميل والرائع ما شاء اللــــــه عليك من اول ما دخلت وانت متميز بارك الله فيك وجعلك خير ثمرة لنا وللجميع تقبل تحياتـــي أخـــوك |
|
|
09-05-2006, 12:35 PM | #6 |
شخصية هامة
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
*·~-.¸¸,.-~*المغربي*·~-.¸¸,.-~* كل الشكر اخي والتقدير على المشاركة الطيبة موضوع راااائع ومتميز بارك الله فيك وجزاك المولى خير الجزاء وجعله في موازين حسناتك تقبل خالص تحياتي واحترامي |
|
|
09-05-2006, 12:39 PM | #7 |
(حلا فعّال)
|
مشاركة: الموت ونسيان الماضي
تسلم أخوي على الموضوع
وبارك الله فيك .. وجزاك ربي كل خير ويعطيك ربي عافية.. |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|