[CENTER]مر من أمامنا...لا نظن أظنه شعر بأنا نحملق في مشيته الساهمة
الراحلة بعيدا عن دنيانا ...أو عن دنياه التي لم يعد يشعر أنه لا يزال فيها
لايزال حاملا صفة الأحياء
فهو يمشي كما يمشون ... يأكل مثلهم
يلبس مما يلبسون .... لكنهم
لم يكونوا يحملوا فوق أكتافهم مثل ما يحمل
يمشي مطأطأ الرأس ..يداه معقودتان خلف ظهره
ألقاهما هناك منذ زمن بعيــــــد
هو لا يذكر متى ألقاهما هناك
لا يشعر حتى أنهما لا زالتا هناك ملقيتان وراء ظهره
أنساه الهم ...أنسته الحياة التي فقدت حياتها
أنسته هذه الأشياء التي تكالبت عليه من كل ناحية
يسميها الناس مصائب ...كوارث ...لكنه
لا يرى فيها هذا ....يظن ببساطته ان المصائب لا تكون بهذا الزحام
لا تكون بهذه القسوة.... يظنها ..أخف وطأة
من هذي الجبال التي هوت فوق كتفيه
لكنه ماتذمر ...ما شكى إلا لخالقه .. شاكرا ...حامدا ....راجيا فضله
ورحمته
يعرفه الجميع ... رجلا طيب ...لا تكاد تشعر أنه يمر من جانبك
نسيم ..إن تنبهت له فللطفه وخفته ..تحبه ..رغم ما يعلوه من هم
رغم الهم لا تزال آثار الإبتسامات القديمة بادية على محياه
حاول كثيرا ...وجاهدا ...أن يبتسم بعدها ....
لكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح
يعاوده بين الحين والحين ...شوق لأن يتذوق ..أو يحاول أن يستعيد
بشفتيه..... ذكريات ابتسامته.. كانت ابتسامة ... لو رأيتها ...
لا تملك إلا أن ترسل لها اختا .... كلنا نشتاق إلى هذى الجميلة التي غادرت شفتيه منذ زمن
ولا ندري أتراها تعود
كانت ....وما أجملها كانت
هادىء في سيره ... أحنى الدهر قامته
وبكل آيات الرضا.... صبر
قبل زمان ...ليس بعيدا جدا
كانت ابتسامته لا تفارق شفتيه
كان زهرة رجولة حنونا ... هادئا .... لطيفا
ما كان يزجر طفلا ... أو يصرخ لأي شيء
كان يحلم أن يكبر طفله ويغدو رجلا
كان يريده طبيبا ....كي يداوي الناس بالمجان
كان يحلم ...ويحلم ....ويستغرق في الحلم
يحلق في سمائه بعيـــــــدا.... ثم يعود برقة إلى واقعه
كان يسكن في طرف المخيم .... بيته كبيوتنا
بالكاد يستره ... بسيط في كل شيء
يومها ...كانت السماء رقيقة ... توشحت بسحب جميلة لا تثقل صدرا
كان الهواء ينساب كأنفاسه....نسيما
خرج من بيته كعادته.... لم يكن يحمل من الهم إلاكما يحمل الباقون في المخيم
هم الحياة البسيطة الذي اعتدنا عليه
مضى ...وفي البيت كانت زوجه ...وابنه
جميلان كانا
ذهب إلى حيث يعمل ... يكاد الهواء يحمله
فاليوم أول يوم له في عمله الجديد
كان يقول لنفسه: لن أنسى هذا اليوم
لم يشأ أولئك الذيون يقفون بعيدا عن بيته ...أن يتركوه يحب الحياة ويشعر بها
كانت زوجه جالسة أمام طفلها .... تغني له
جميل صوت الأم... هديل حمام ينساب رشيقا
يداعب شعرها .... فمها ... ويعود إلى رضاعته
لم يكن في البيت شيء ...سوى أنوار محبة ...وأمان ....وأحلام بجمال ما ستأتي به الأيام
لم يرهما ذلك الجندي .... تجرد من كل ما في الخلق من أشياء تشبه الأحساس
.............وأطلق...............
بكل بساطة .....أطلق ........بكل لامبالاة...........أطلق
وكانت ......إلى هذا البيت ......تهدم البيت ...
صار ركاما........أطلالا.........غادر الطفل وأمه هذا البيت
غادروه إلى هناك ..... غادروه معا.....كان مختبئا في حضنها
وكانت مختبئة في عينيه........رحلا عنا معا........متعانقين
كان عائدا من مكان عمله ....اشترى فاكهة كان يحلم بها منذ زمان طويل
أراد أن يذوقوها قبله ...يريد أن يشعرهم بالحياة..أن يتذوقوها
واشترى للطفل دمية ....ليلهو بها .... لم تكن غالية الثمن ....لكنها لطفله .... فما أجملها
وصل البيت مسرعا ...كان لولا الحياء ...أتى ركضا ...ليريها ما أحضر
وصل بُعيد فعلة الجندي بلحظات ....ربما لو نظر إلى السماء لرآهما صاعدين ...
ربما
وصل البيت .... ظن أنه أخطأ .... تقدم ببطء ... لحظات ...واستوعب الأمر
انسابت من يديه الفاكهة ...والدمية...لا بل انسابت يداه منه ... بل انساب من نفسه
كانوا يحملونها .... قطعا ... وغبار البيت يعلوهما ....... صامتا كان المشهد
أخرسا ..... توقف الزمن ....لم يسمع أي شيء ...يسلم الناس عليه ...يواسونه
في عالم آخر كان ....كان بعيــــــــــــــــــــــــــــــدا عنهم ...بجوارهم
كانت ابتسامة ترتسم على شفتيه....هوت من هناك ....
حاول أن يقف ... حاول جاهدا ... لكن ............
لا يذكر كيف سار اليوم ..... يذكر أن الناس أخبروه أنه بدا صابرا محتسبا
أنه لم ينطق في جنازتهما إلا بحمد الله ....هو لا يذكر شيئا
الناس تذكر أنهم حين عادوا .... وقف هو عند القبر قليلا ...بكى أو ربما حاول
ثم استدار ....وألقى يديه خلف ظهره ....ومضى
.....................................
...................................
من يومها ......كل مساء ...
يذهب إلى هناك ..... إلى أطلال سعادته .... يبكي قليلا أو ربما يحاول.......يحاول
ثم يعود ....يمر من أمامنا ..........هادئا .......
وقد ألقى يديه خلف ظهره[/CENTER]
مع تحياتي :
رحــيـــق الزهــــــــور