|
09-02-2009, 09:24 PM | #1 |
(حلا نشِـط )
|
جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
( الدقة الأولى ) ( وقع الخبر على رأسي كالصاعقة ، دارت الدنيا من حولي ، زاغ بصري ، غير معقول ، لا لا لا يمكن . اغتصب مسامعي صوته الأجش ) ـ الإذاعة أعلنت الخبر الآن . ( صرخت بأعلى صوتي ) ـ لا ا ا ا ا ا ا ، كذب ، خداع ، إفك ...... ( تجمع الناس حولي ، جريت كالمجنون أحاول الهروب ، صرخت فيهم ) ... أيها الكاذبون ، أيها الخادعون ...... ( و لا حياة لمن تنادي ، خشب مسندة تلفني ، هذه الوجوه السلبية الجامدة ، انحنيت أتناول حفنة من تراب ) .... لا ، لم يمت ، لم يمت ، لم يمت ... (قذفتهم بها ) ... لماذا تنظرون إلي هكذاااااااااااااااااا ؟ ... أنا لست مختلا عقليا أيها التعسون ، لااااااااا .... ( تناولت أخرى و قذفتهم و أخرى ) ... لا يمكن أن يموت ، إنه أكبر من أن تصرعه رصاصة غادرة .... ( اقتربت منهم ، ضاقت الدائرة من حولي ) ... نعم هو أكبر من أن يسقط و لم يكمل ما بدأه أو يحقق ما أراد .... هل نسيتم ؟ كم مرة أكد فيها الأوغاد أنه مات ؟؟؟؟ هه ؟؟؟ كم مرة قالوا أنه قضى نحبه من قبل ؟؟؟؟؟ و لكنه سرعان ما كان يخرج علينا ليفضح كذبهم ، أليس كذلك ؟ أرجوكم ، فليرد علي أحد ... ( ترقرقت صورتهم بعيني ، سقطت جالسا على الأرض ، حاولت كبت هذا البكاء الذي يغلي بصدري ) ... أرجوكم ، بالله عليكم ، ألم يحدث هذا من قبل ؟؟؟؟ ( عندها وضعت رأسي أرضا ، أجهشت بالبكاء ، رفعت نظري إليهم مستعطفا ) ... أرجوكم فليكذب أحدكم الخبر ، بالله عليكم ... ( طالعتني آلاف من عيون البائسين الجياع من حولي ، انحنت رؤوس العاطلين المكبوتين المضطهدين ، ترقرقت الدموع بأعين الطامحين إلى لقمة العيش ، حزن اختلط بيأس و خوف و ذل في خنوع لفني ، احتضن (الشيخ إمام) عوده كما تحتضن الأم طفلها ، حاول أن يتغلب على أوجاعه ، خرجت الحروف من فمه مرتعشة تتحشرج ) ـ جيفارا مات ، جيفارا مات ، آخر خبر ف الراديوهات ، و ف الكنايس ، والجوامع ، و ف الحواري ، و الشوارع ، جيفارا مات ، و اتمد حبل الدردشة و التعليقات ، مات المناضل المثال ، يا ميت خسارة ع الرجال ، مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات ، جسد نضاله بمصرعه ومن سكات ، جيفارا مات ، جيفارا مات ...... ( وجدتني أقف ، أضع يدي على فم الشيخ إمام ، أسحب بيدي الأخرى العود من بين يديه ، أصرخ فيهم ) ـ لا لم يمت ، جيفارا لم يمت يا شيخ إمام ؟ أليس كذلك ؟ عم احمد ، جيفارا لم يمت يا عم أحمد ، هه ؟؟؟ أرجوكم كذبوا الخبر ، جيفارا أكبر من أن تقتله رصاصة غدر ، ابحثوا عنه في كل مكان ، ابحثوا عنه وسط الغابات ، ابحثوا عنه حيثما يوجد الفقراء و المساكين ، لقد وعدنا بتحرير فلسطين ، نعم لقد أقسم أمام عيني بتحرير العراق و الشيشان ، وعدني بعالم يخلو من الذل و المهانة ، ابحثوا عنه حيث يوجد اليأس و الخوف و الذل و حتما ستجدونه حيا ، أليس هو من قال : أينما وجد الظلم فذاك وطني ، ابحثوا عنه في قلب كل فقير و جائع ، ابحثوا عنه في مصر ، في مستنقعات كوبا ، فتشوا عنه في أدغال الكونغو ، ( دققت كل الأبواب ) أنادي بعلو صوتي : ـ أيها التعساء ، ابحثوا عن جيفارا في البوسنة و الهرسك ، ابحثوا عنه في تشيلي ، كولومبيا ، جواتيمالا ، اسألوا عنه في بوليفيا ، ستجدونه حيث يوجد المساكين ، ستجدونه حتما ، نعم فبقلب جيفارا نار تشتعل ، تدفعه دفعا ليقف في صف كل مظلوم على وجه الأرض ، إلى جانب المعذبين في شتى أنحاء العالم ... ( أرفع يدي عاليا ) ... يحمل الشعلة لينير الطريق أمام ملايين البؤساء ... ( أمسك بأيدي الأطفال ) ... يأخذهم إلى الحرية و الحق و العدالة ، جيفارا هو الثورة تمشي على قدمين ، لا يعرف التراجع لقلبه سبيل ، متواضعا لا يتسرب الهوى لنفسه ... ( أربت على كتف أحدهم ) ... جيفارا الرفيق الرقيق الودود ... ( انطلقت أصرخ ثانية ) ... و لهذا فهو جيفارا الذي تعرفونه جيدا ، جيفارا الذي كبر في أعيننا يوما بعد يوم حتى صار هذه الأسطورة ، نعم أصبح هذه الأسطورة التي نحلم بها و يحلم بها كل مسكين جائع مظلوم في هذا العالم ، و بعد كل هذا تقولون أنه مات ؟؟؟ لا و ألف لا ، جيفارا لم يمت ، لم يمت ، لا لا لا لم يمـــــــــــــــت . ( يتبع ) |
09-02-2009, 10:23 PM | #2 |
موقوف
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
|
10-02-2009, 03:49 AM | #3 |
][§¤حلا ذهبي ¤§][
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
|
|
|
10-02-2009, 11:33 AM | #4 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
|
10-02-2009, 11:34 AM | #5 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
|
12-02-2009, 01:31 PM | #6 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
( الدقة الثانية )
مازال صوت الشيخ إمام في أذني ينشد ) ( جيفارا مات ، جيفارا مات ) أخذت أتمتم : ـ لا لم يمت ، سأبقى العمر كله أبحث عنه في كل مكان . ( أعادني صوت دقات القطار على سندان القضبان الحديدية إلى حيث أجلس ، أخذ القطار يأرجحنا ذات اليمين و ذات اليسار ، نظرت من نافذة القطار فإذا به يشق السهول الشاسعة التي اكتست باللون الأخضر ، أضفت عليه أشعة غروب الشمس طيف برتقالي شاحب ، أخذت أراقب قطيع السحب البنفسجية التي شتتها الرياح هنا و هناك ، ما هي إلا لحظات حتى بدأ الظلام يخيم على المشهد ، بدأت أتحول بنظري إلى داخل القطار ، كانت إحدى عربات الدرجة الثالثة التي أجلس بها ، كان الضوء بها خافتا لا يكفي لرؤية الوجوه من حولي بوضوح ، تتسلل بين الحين و الآخر من خلال النوافذ خطوط الضوء تركض فوق الملابس و الوجوه ، ألمح خلال ومضات الضوء البارقة وجوه منكسرة ، صبغت الشمس بشرتهم بلون أديم الأرض ، عائدون كعادتهم كل مساء إلى ديارهم بعد واحدة من رحلاتهم اليومية للعمل بحقول الأغنياء ، كانت تجلس بمواجهتي سيدة نحيفة نقشت السنوات العجاف على وجهها سجلا من الأسى و المعاناة ، كانت تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر ، تصره على ما جاد به أصحاب المزارع التي تعمل بها ، صوت اعتصار معدتها الخاوية تحرش بمسامعي ، عندها لمحت ظلال أفراخها الجياع تتراقص بمقلتيها ، يستقبلونها مهللين ، يقفزون لينالوا من فمها العطايا ، تحاول أن تمنع لمعة أسنانها التي كادت أن تتسلل من بين شفتيها لكنها تفشل ، لمحتني انظر إليها ، ازدادت ابتسامة الرضا اتساعا ، وضعت كفها خجلة على فمها ، حاولت تبادل أطراف الحديث معها ) ـ مرحبا . ـ مرحبا يا بني ، يبدو انك لست أرجنتينيا ، أليس كذلك ؟ ـ نعم إنما أنا هنا للبحث عن صديق قديم اسمه جيفارا ؟ هل تعرفينه ؟ ( قفزت من عينيها علامات الاستفهام ، حاولت تنشيط ذاكرتها ) ـ جيفارا ، جيفارا ؟؟ إرنستو جيفارا دي لا سيرنا ؟؟ ( لوت شفتيها و هزت رأسها و كأنها لا تفهم ما أقول ، عندها مالت إلى الرجل الذي يجلس بجوارها و سألته ) ـ هل تفهم ماذا يقول ؟ ( عندها وجهت سؤالي إليه ) ـ هل تعرف جيفارا ؟ ( هز الرجل رأسه أحسست انه أيضا لا يفهمني ، عندها ناديت بالجالسين ) ـ ألا يوجد أحد أرجنتيني هنا ؟ ( عندها رفع جميع الجالسين أيديهم ، قال احدهم ) ـ نعم أنا أرجنتيني ، ماذا تريد ؟ ـ ألا يعرف أحدكم جيفارا ؟ ( خيم الصمت على الجميع ، عندها تذكرت أنهم يطلقون عليه ( تشي ) فقلت لهم ) ـ هل يعرف أحدكم تشي ؟ تشي جيفارا ؟ ( عندها لمعت أعينهم و كأنهم فهموا ما أقصده أخيرا ) قال أحدهم : ـ تشي جيفارا ؟ ( نطقها بالجيم غير المعطشة ) نعم ، نعم ، ( وجه كلامه لمن حوله ) يقصد الهارب . ـ هل تعرفونه ؟ ( قال آخر ) ـ نعم أنا أعرف ( تشي ) . ـ هل تعرفون أين أجده ؟ ( ارتفعت ضحكات الجميع ، حاول بعضهم التماسك ) قال أحدهم : ـ عذرا ، هل تبحث عن تشي جيفارا بالأرجنتين ؟ ـ أو ليس أرجنتينيا ؟ ( قاطعني آخر ) ـ لا لم يكن يوما أرجنتينيا . ( قالت المرآة ) ـ نصيحتي لك يا بني ، ابحث عنه في أي مكان آخر إلا هنا . ( قاطعتها امرأة أخرى ) ـ اذهب و ابحث عن جيفارك هذا في جواتيمالا ، أو كوبا ، أو بوليفيا ، أو الكونغو ، و لكن نصيحتي لك ألا تحزن على قطعك كل هذه المسافات ، فأنت تجري وراء سراب . ( سألني الرجل الجالس بجواري ) ـ من أي البلاد أنت ؟ ـ أنا عربي . ـ هل في بلادكم يمكن أن يترك الرجل أهله و يرحل ؟ هل يمكنك مثلا أن تترك أطفالك الصغار ضائعين مشردين لا عائل لهم بحجة أنك ذاهب لتعتني بأطفال مشردين في بلد آخر ؟ هل هذه رجولة و بطولة في نظركم ؟ ـ عفوا سيدي ، و لكنه رحل بعد أن أصبح طبيبا حتى يساعد الفقراء و المحرومين و المرضى مثل المصابين بالجذام مثلا في بلاد أمريكا اللاتينية . ( ضحك الجميع مرة أخرى ، لمحت الدموع تترقرق في عيون المرأة التي تجلس أمامي و قالت ) ـ هل تضحك على نفسك أم تظن انك تضحك على أناس أميين لا يقرئون و لا يكتبون مثلنا ؟ أو ليس هنا فقراء في الأرجنتين ؟؟؟؟ أو ليس هنا مرضى كانوا في أمس الحاجة إليه ؟ ( قاطعها رجل آخر ) ـ لقد كان شخصا غاية في الأنانية ، (تشي) لم يحب في هذا العالم إلا نفسه فقط . ( قال آخر ) ـ كان مثله (أنا و بعدي الطوفان) ، بالله عليك ألم يترك والده و والدته المسكينة التي أخذت تبكيه ليل نهار و رحل ؟ ألم يترك زوجته الأولى هيلدا و رحل ؟ ألم يترك زوجته الثانية و أولاده منها في كوبا و رحل ؟ ( قالت المرأة ) ـ من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه للغرباء ؟؟؟؟؟ ـ عفوا ، و لكنه كان مطاردا من المخابرات المركزية كما علمت . ( قال الرجل بجواري ) ـ أية مخابرات مركزية التي تطارد طالبا أنهى دراسة الطب أيها الأبله ؟؟؟؟؟ ( حاولت الدفاع عنه ) ـ أنتم تظلمون الرجل فلقد كان رجلا رومانسيا رقيقا ودودا رحل وقتها لإشباع هوايته بالتصوير و اصطياد الفراشات . ( قال الرجل بجواري ) ـ هل البطولة عندكم أيضا اصطياد و قتل الفراشات لا لشيء إلا لمجرد أن تزين بألوانها غرفتك ؟؟؟؟ أي رومانسية و رقة في هذا بالله عليك ؟؟؟؟ ـ لا لا لا ، انتم تظلمون جيفارا ، أنتم تتحاملون عليه ، رجل مثل جيفارا يجب أن تفخروا به ، يجب أن يكون قدوة و مثالا لكل الأرجنتينيين . ( ردت المرأة بصوت مرتفع و كأن صبرها قد نفذ) ـ و ماذا فعل لأهله و للأرجنتين و فقراء و مرضى الأرجنتين؟ ( عندها توقف القطار ) ـ عفوا فلابد لي أن أنزل بهذه المحطة . ( حملت حقيبتي و نزلت ، تتبعتني عيونهم و أنا أقف على الرصيف ، بدأ القطار في التحرك ببطء ، أخرج البعض رأسه من نوافذ القطار يلوحون لي بأيديهم ، عندها رفعت صوتي لكي يسمعني الجميع ) ـ فإذا لم يكن جيفارا مثالا لكم كما تقولون ، فمن يكون مثلكم الأعلى إذن ؟ ( عندها بدأ أحدهم يفك أزرار قميصه فظهرت صورة مرسومة على ملابسه الداخلية ، ثم قال ) ـ دييجو أرماندو مارادونا . ( صرخت ) ـ مدمن المخدرات ؟؟؟؟؟؟ ( رد أحدهم بصوت عالي ) ـ كلاهما ليس قديسا أيها الأبله . ( عندها علا التصفيق بينما بدأ القطار يبتعد رويدا رويدا ، إلا أن صوتهم ملأ الفضاء من حولي ، أخذوا يتغنون ) ـ مارادونا ، مارادونا ، مارادونا . ( يتبع ) |
13-02-2009, 05:49 PM | #7 |
(حلا جديد )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
رائع تستحق جائزة
|
13-02-2009, 09:43 PM | #8 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
|
07-03-2009, 01:44 PM | #9 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
( الدقة الثالثة )
( اختبأنا بين سيقان القصب حتى غربت الشمس ، بدأنا نتجهز للرحيل ، عندما خيم الظلام ، زحفنا باتجاه الأسلاك الشائكة ، أخذ يقص الأسلاك بمقصه الحديدي ، سرعان ما فتح فجوة كافية ، و بينما زحفت بقعة الضوء مبتعدة عنا ، تسللنا إلى داخل القاعدة العسكرية ، جريت خلفه و اختبأنا خلف إحدى الدبابات ، وضع يده على فمي يحبس أنفاسي ، مر بعض الجنود السكارى بجوارنا عائدين إلى ثكناتهم ، رحلوا و لم يشعر أحد منهم بوجودنا ، تنهدنا اطمئنانا ، جرى إلى أحد الأبواب ، فتحه برفق ، دخلنا إلى داخل الغرفة ، همس بأذني ) ـ هذه هي غرفته ، انتظره هنا ، أما أنا فسأرحل حتى لا أتعرض للمحاكمة . ( فجأة سمعنا أصوات تقترب ، دار المفتاح في الباب ، قفزنا بسرعة نختبئ خلف الستائر الحمراء ، أحسست بقلبي يكاد يقفز من صدري ، نظرت إلى الباب ، فإذا بظل رجلين يهمان بالدخول ، اتجه احدهما إلى أحد المقاعد و ألقى نفسه فوقه ، و أخرج سيجارا و أشعله ، في هذه اللحظات قام الرجل الآخر بجذب الخيط النازل من المصباح المتدلي بمنتصف الغرفة فأشعلها ، سقطت بقعة الضوء فوق وجه الرجل الجالس فإذا به (جيفارا) ، و قف الرجل الآخر و قد أدار لنا ظهره و قال : ـ لابد أن ترحل ( تشي ) لا مكان لك هنا بعد الآن . ( نظر إليه ( جيفارا ) نظرة استنكار و نفث دخان سيجارته ثم قال : ـ أرحل ؟ هل ستحل المشكلة بهذه الطريقة ؟ ـ ( تشي ) أنت من وضعت نفسك بهذا الموقف ، لقد حذرتك أكثر من مرة ، قلت لك لا داعي لأن تتهجم على السوفيت ، و حذرتك من أنك تغضبهم بهذه التصريحات الغير مسئولة . ـ و أنا قلت لك أيضا أنني احتقر هؤلاء البيروقراطيين ، و قلت لك مرارا أنني أكره هذا الاتكال على السوفيت و لابد من البحث عن وسائل أخرى لتمويلنا . ـ كنت تريدنا أن نرتمي بأحضان (ماو تسي تونج ) ؟ و دائما كنت أقول لك أننا يجب أن نمسك العصا من المنتصف ، لا فائدة من كل هذا الآن ، ( تشي ) برغم اختلاف وجهات نظرنا و علمي التام بأن لك بعض التحفظات على معتقداتي الاجتماعية ، و برغم أنني غضبت منك لجعل أخي يعتنق الشيوعية و أدخلته في عضوية الحزب و أخفيتما الأمر عني ، برغم كل هذا إلا انك تعلم جيدا أنك رفيق كفاحي و صديقي الوحيد ، و تعرف أيضا مدى محبتي لك ، من هذا المنطلق فقط أطلب منك الرحيل ، فوجودك خطر على حياتك ، سيقتلونك، حاول أن تفهم ، لقد وصل الأمر إلى طريق مسدود ، لقد أطلقوا النار عليك أمامي . ـ و ما موقفك أنت مما يحدث ؟ هل ستبقى مكتوف الأيدي كعادتك ؟ لا فائدة ، نعم لا فائدة ، قلت لك يوما أن سلبيتك هذه ستقضي عليك يوما ما ، هل تذكر ؟ عندما أمرت بإعطاء الدواء للأسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى ؟ وقتها وقفت في وجهك و قلت لك : لا ، يجب أن نوفر الأدوية لجرحانا نحن ، و صممت أنت على رأيك و قمت بتوزيع الأدوية بنفسك على جميع الجرحى، هل تذكر؟ حتى أعداء الثورة كنت متساهلا معهم ، إياك أن تعتقد أنك كنت ستصل إلى ما وصلت إليه الآن بدون حزمي و صرامتي ، و الآن جاء دورك لتكون حازما و صارما و لو لمرة واحدة. ـ و ما هو الذي تطلبه مني كي أكون صارما و حازما من وجهة نظرك ؟ أن أقتلهم جميعا من أجلك ؟ ( تشي ) هو نفسه ( تشي ) لم يتغير ، ألا تكفيك كل هذه الدماء التي أرقتها بحجة تأمين الثورة من معارضيها ؟ لا ، لا يمكن أن أسمح لك بإراقة المزيد من الدماء ، لا مزيد من الدماء ، حاول أن تفهم ، رحيلك سيحل كل هذه المشاكل، أرجوك ( تشي ) إنه آخر رجاء سأطلبه منك . ـ هل تذكر عندما تعارفنا في منزل (ماريا أنتوني) ؟ وقتها رجوتني للمجيء معك إلى كوبا ، يا لسخرية القدر ، و الآن ترجوني لأرحل عن كوبا ؟ في يوم من الأيام بينما نسير وسط المستنقعات ، تساءلنا عن الشخص الذي يمكن أن نخبره في حال موتنا ، عندها تيقنا فقط أن الموت يقترب منا ، و أيقنا جميعا أنه من الممكن أن نموت في أية لحظة ، يمكن أن أدفع روحي ثمنا لحرية كوبا ، و يبقى الجبناء ليحصدوا ما زرعناه ، أما اليوم بعدما أصبح كل شيء لكم ، فلا ثمن لروحي ، أصبحت الآن بلا ثمن ؟ هل تعرف أن خطئي الوحيد ، هو أنني لم أفهمك من المرة الأولى التي التقينا فيها ، على العموم إذا كانت هذه رغبتك فلا حاجة لي بالبقاء ، و لكن ماذا ستقول للشعب الكوبي ؟ ـ لا عليك فأنا أعلم كم هم متعلقون بك ، و ما علينا إلا أن نؤكد هذا التعلق ، فأنت من وجهة نظرهم البطل الذي حررهم ، أنت المناضل الأسطورة الذي يدافع عن الفقراء و المغلوبين على أمرهم ، و لكن أرجو أن تكتب رسالة تقول فيها انك خرجت طوعا لا كرها ، ستقول لهم خلالها أنك رجل لا تستطيع أن تتجمد داخلك دماء الثورة بالرضوخ للمناصب ، و أيضا يجب أن تؤكد على أنك لا تهتم متى و أين ستموت ، و أن ما تهتم به أن يبقى الثوار واقفين يملئون الأرض ضجيجا كي لا يغفل العالم و ينام بكل ثقله فوق أجساد الضعفاء و المظلومين ، هذه الكلمات الرنانة التي كانت تشعل الحماس داخلنا . ـ و زوجتي و أولادي ؟ ـ سأضمن لهم عيشة كريمة فهم عائلة المجاهد البطل الذي حرر كوبا ، و لكن لي طلب واحد . ـ و ما هو هذا الشرط ؟ ـ إنه طلب و ليس شرطا . ـ لا يهم فلا فارق بينهما عندي الآن ، ما هو طلبك ؟ ـ ألا تذهب إلى فيتنام ، فأنت تعرف اشتعال الحرب الكلامية بيننا و بين أمريكا و لا نريد أن يكون وجدوك في فيتنام سببا في تأزم الموقف أكثر من هذا ، ثم انه هناك الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تجد نفسك بها حرا طليقا ، هناك الكثير من الأماكن الغير مستقرة بأنحاء العالم ، كم كنت أتمنى أن أكون مثلك بدون واجبات ، و أعود و لو لساعة واحدة لأيام الحرية و الانطلاق ، و لكن تذكر و أنت في غمرة حريتك و انطلاقك أن كوبا تفتح لك ذراعيها في أي وقت تتأزم فيها الأمور ، و تذكر أيضا انك كوبي و كوبا لا يمكن أن تنسى أبنائها . ـ لا ، لا حاجة لي الآن بكوبا ، لقد خاب أملي بكل شيء ، حياتي ، أحلامي ، كل شيء ، كانت أمنيتي و حلمي أن أموت هنا بكوبا ، و لكن الآن و بعد ما حدث فلا حاجة لي بالبقاء ، يجب أن أرحل باحثا عن مكان أنسب للتخلص من حياتي ، و من الآن لا يربطني بكم أي شيء ، أي شيء . ( وقف (جيفارا) ، نزع سيجاره من فمه ، ألقاه أرضا ، فركه بحذائه ، ثم انطلق خارجا و لم يعقب) ( يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع ) |
07-03-2009, 01:45 PM | #10 |
(حلا نشِـط )
|
رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
الدقة الرابعة ) رعد موجات الطائرات المحلقة فوقنا صم آذاننا ، برق انفجار القذائف المروعة التي تنهال فوق رؤوسنا يضيء الكون من حولنا ، أدخنة النيران التي اشتعلت بكل مكان يكاد يخنقنا ، هدير آلياتهم العسكرية تقتلع كل شيء في طريقها ، هرج و مرج هنا و هناك ، اختلط الحابل بالنابل ، أمطرونا بوابل من الرصاص، وجدتني أغرق بمستنقع من الأوحال الدموية ، أرفع رأسي فلا أبصر إلا الدم يصبغ الأشياء من حولي ، أرى رجلا هناك يحاوليائسا تثبيت رايتنا التي تتلاعب بها الرياح ، جاءته رصاصة غادرة فجرت رأسه ، رشات من الدماء الذكية خضبت وجهي المذعور ، تراقص المشهد بعيني ، منذ قليل عندما طلب مني أن أكتب عليها بالعربية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، صرخات الفارين من النساء والأطفال تملأ الفضاء ، وجدت امرأة تصرخ تحاول الفرار ، كانت تمسك بقوة ذراع طفلها الذي فقد جسده ، اتسعت عيون الذين يحاولون الفرار من هول الكارثة ، انزلق البعض و هم يحاولون الخروج من مستنقعات دماء الملايين من الجثث التيتكومت هنا وهناك ، يزحفون بكل ما آتاهم الله من قوة للفرار من هذا الجحيم، انفجار هائل مزق المشهد بعيني ، حاولت الفرار ، تعثرت ، ارتطمت رأسي بالأرض ، مذاق الدماء مازال بفمي ، تدوسني أقدام الفارين ، تحاملت على ذراعي المتبقية ، أحاول عبثاالنهوض ، بالكاد نجحت ، دخلنا إلى داخل المسجد الملجأ الوحيد الذي تبقى بعد القصف ، حاولت استبيان المشهد من حولي ، وجدت عيون ترمقني من بين الدخان الكثيف ، كان ممسكا ببندقية في يده ، حاول التغلب على آلامه و بادرني بابتسامة ، زحفت أجلس إلى جواره ، ناولني إناء به ماء ، أخذته منه ، تجرعت مما تبقى به ) سألني بهدوء : ـ من أنت أيها الفتى ؟ و ما الذي أتى بك هنا ؟ ملامحك ليست صينية ، يبدو لي أنك.. هندي .. عربي أو ... ـ أنا عربي . ـ و لكنني كنت أتابعك عن كثب ، لقد أبليت حسنا ، و لكن ما الذي أتى بك إلينا ؟ و ا الدافع لديك للوقوف في صفنا ؟ ـ لقد جئت أبحث عن المظلومين و المغلوبين ، نعم جئت أبحث عن صديقي جيفارا ، توقعت انه هنا ، نعم ، لابد انه هنا ، فلقد قال ( أينما يوجد الظلم فذاك وطني ) و لا أرى في العالم أجمع ظلما أكثر مما أنتم فيه الآن ، و لذلك جئت أبحث عنه هنا . ـ و من صديقك هذا ؟ لم أسمع به هنا . ـ هو من يحس على وجهه بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم ، كل صفعة ، فما بالك بكل هذه الدماء ؟ و ما بالك بكل هذه الجماجم التي تكتسي بها الأرض حتى الأفق ، و لكن عندما أتيت و وجدتكم من إخوتي ، وجدت الدماء تغلي في عروقي ، كيف لي أن أرحل باحثا عنه و أنا أرى أطفال المسلمين يذبحون و تراق دمائهم أمام عيني ، كيف أرحل لأبحث عنه و أنا أرى أخواتي المسلمات يغتصبن أمام عيني ، ألستم مسلمون ؟ ـ نعم يا بني و الحمد لله ، بارك الله فيك ، بارك الله فيك . ـ و لكن لماذا كل هذا ؟ و من هؤلاء الأوغاد ؟ ـ هؤلاء من لا دين لهم . ـ لا دين لهم ؟ ـ نعم يا بني ، فكما استباح السفاح ( ستالين ) دماء إحدى عشر مليونا من المسلمين ، استباح الصينيون دمنا ، ارتكبوا بحقنا الكثير من المذابح الجماعية ، بلغ عدد قتلانا مائة ألف ، ليس هذا فحسب بل استقدموا مهاجرين بأعداد كبيرة جدا ليستوطنوا ببلادنا لكي تقل نسبة المسلمين ، و غيروا اسم البلاد و جعلوها (سينجيانج ) ، ألغوا الملكية الفردية ، سرقوا كل أموالنا و بيوتنا و أرضنا ، أعلنوا أن الإسلام خارج عن القانون ، و يعاقب كل من يعامل به ، حرقوا المصاحف ، و كانوا يقذفون شيوخنا بنعالهم ، كانوا يجرون ورائي و يضربونني بعصيانهم يقذفونني بالحجارة حتى تسيل الدماء من رأسي ، منعونا من السفر للحج ، منعوا دخول أي من المسلمين إلينا ، هدموا مساجدنا و حولوا البقية إلى أندية لجنودهم ، جعلوا اللغة الصينية هي اللغة الرسمية ، استبدلوا الأحاديث النبوية بتعاليم و كلمات زعيمهم . ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أي بشر هؤلاء ؟ ـ ليس هذا فقط ، بل أرغموا بناتنا و نساءنا على الزواج من الرجال الصينيين ، و كان أهم شعار لديهم هو ( الغوا تعاليم القرآن ) ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و لماذا كل هذا ؟ ـ بحجة القضاء على الثورة المضادة ـ كما فعلها ستالين بحجة تعرضه لمحاولة اغتيال ـ اعتقلوا الآلاف ، حكموا بالإعدام على أكثر من 800.000 شخص ، زعيمهم تفاخر بأنه دفن ست و أربعون ألفا من العلماء أحياءا ، ـ غير معقول ، لا لا ، غير معقول ، هناك بشر بهذه الوحشية و الدموية ؟ أي دين هذا و أي شرع و أية إنسانية هذه التي تتيح لأي إنسان مهما كانت سطوته و مهما كان جبروته أن يفعل بأخيه الإنسان شيء كهذا ؟ و لكن صبرا ، ف و الله إنه سيأتي ليخلصكم مما أنتم فيه ، سيأتي لينقذكم من هذه المهانة ، سيخلصكم من هؤلاء الوحوش التي لا قلوب لهم ، نعم سيأتي ، لقد سمعته بأذني ، إنه يعتبركم أنتم الصينيين الخط الثوري الوحيد الجدير بالاحترام في هذا العالم ، لقد اختلف مع رفاقه أمامي ، لقد أطلقوا عليه النار لأنه غير مقتنع بما يفعله السوفيت ، لقد قال أنه يكن لكم انتم الصينيين كل المحبة و التقدير ، إنه يعشق زعيمكم عشقا ، لقد سمعته بأذني يقول : ( ماو تسي تونج ) هو الثوري الوحيد في هذا العالم . ( عندها جحظت عينا الرجل و ارتعد جسده بشدة ، حاول السيطرة على نفسه ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه المرتجفة ) ـ من قال هذا ؟؟؟؟ ـ صديقي ( جيفارا ) الذي أبحث عنه ، هذا الذي سيحرركم . ـ صديقك هذا المدعو ( جيفارا ) هو الذي سيحررنا ؟ ـ نعم ، لقد أقسم أنه أينما يوجد المظلومين و الضعفاء فذلك وطني . ( ضرب الرجل كفا بكف ) ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، و تقول أيضا أنه يعشق ( ماو تسي تونج ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ـ نعم بل يرى أنه الخط الثوري الوحيد الصحيح في هذا العالم . ( أخذ الرجل يضحك و يضحك ، حتى رأيت الألم يسيطر على قسمات وجهه ، حاول المسكين السيطرة على ضحكاته و لا فائدة حتى أشفقت عليه من كثرة الضحك و الألم ، و أخيرا سيطر على لسانه ) ـ أتبحث عن صديقك هنا ؟ ـ نعم لقد سمعته يقول .... ( قاطعني الرجل ) ـ يقول ؟؟؟؟ صديقك هذا تبحث عنه على الجبهة الأخرى و ليس هنا . ـ على الجبهة الأخرى ؟؟؟؟؟؟ ـ نعم يا بني فزعيمهم الذي كنت أحكي لك عنه و عن ما فعله بإخوانك المسلمين هو ( ماو تسي تونج ) الذي يعتبره صاحبك المدعو ( جيفارا ) الخط الثوري الوحيد في العالم ، و هؤلاء الصينيين الذي يعجب بهم صاحبك هم هؤلاء الذين حرقوا مصاحفنا و هدموا مساجدنا و سفكوا ماءنا و استحيوا نساءنا و قتلوا و صلبوا أبناءنا ، لا لشيء إلا لأننا مثلك مسلمون أيها الأبله . ( دارت الدنيا من حولي ، لم أحس بشيء بعدها كلما حاولت تذكر ما حدث تخونني الذاكرة ) ( يتبع ) |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وا أماااه ( نزف قلم : محمد سنجر ) | محمد سنجر | مجلس حلا للقصص والروايات | 12 | 20-02-2009 06:49 PM |
الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر ) | محمد سنجر | مجلس حلا للقصص والروايات | 5 | 08-02-2009 07:30 PM |
العاقبة ( نزف قلم : محمد سنجر ) | محمد سنجر | مجلس حلا العام | 12 | 05-04-2008 08:55 PM |
ما هو الشئ الذى لا يعرفه الله.؟! | scorpion_mid | مجلس كـــل مــاهــو مــثـــيـــر | 27 | 02-11-2007 11:42 AM |
بارقة سراب (نزف قلم محمد سنجر ) | محمد سنجر | مجلس حلا العام | 8 | 06-06-2007 09:53 AM |