|
08-05-2006, 02:42 AM | #1 |
موقوف
|
الاحسان الحق
إن الإحسان ليس إحسان صلاة وصيام فقط، بل هو منهج حياة وأسلوب معيشة، هو عبادة ومعاملة، هو صلاة وحسن خلق، هو طاعة وأداء الحقوق إلى أهلها.
قال الإمام القرطبي في شرحه لقول الله تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90): "إنه تعالى يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض، حتى إن الطائر في سجنك والسنور في دارك لا ينبغي أن تقصر تعهده بإحسانك". وقال ابن عطية: "العدل هو كل مفروض، من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم والإنصاف، وإعطاء الحق، والإحسان هو فعل كل مندوب إليه؛ فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه، ومنها ما هو فرض، إلا أن حد الإجزاء منه داخل في العدل، والتكميل الزائد على الإجزاء داخل في الإحسان". وقد ورد في الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته" رواه مسلم وأصحاب السنن. قال الإمام الآبادي في "عون المعبود": "(كتب الإحسان على كل شيء): على بمعنى في، أي أمركم به في كل شيء". وقال الإمام السندي في حاشيته: "(إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، أي أوجب عليكم الإحسان في كل شيء". لو كنا نعبد الله تعالى كأننا نراه، لما ظهرت كل هذه الأخطاء والعيوب والذنوب، ولما تواجدت مسوخ الملتزمين في حياتنا، ولما تراجعنا كل هذا التراجع، ولما غدونا لقمة سائغة ينهشنا أعداؤنا متى شاءوا وكيف شاءوا وأين شاءوا. لمَّا غفلنا عن منهج الإحسان في حياتنا وتحولنا إلى "أمة الهزل" غدا هذا حالنا، وعلاجنا لا يكون مبتسرًا أو مكتفيًا بعلاج عوارض المرض، وإنما يكون بعلاج أسبابه واجتثاثها من أصولها، وليعود "الإحسان" إلى "أمة الإحسان" سابقًا. لو حمل كل مسلم إحسانه معه. لو عرف كل فرد منا أن معنى: (كأنك تراه) هو: "بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه، فجمع بيان المراقبة في كل حال، والإخلاص في سائر الأعمال، والحث عليهما" كما يقول الإمام المناوي. لو أدركنا أن معنى: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): "أي فاعلم أنه يراك في جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال" كما يقول الإمام القاري. لو فعلنا كل ذلك بأفرادنا لعادت أمتنا إلى مكانها الذي أراده الله تعالى لها: "أمة الإحسان". لقد قال الله تعالى: "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (التوبة: 91)، يقول الإمام القرطبي في شرحها: "وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن". فإذا أردنا أن نرفع العقاب عن أمتنا فلنعد إلى "أمة الإحسان". لتكون النتيجة: "فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: 148). |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|