عــــ ـــفــــوا فـ ــدمـــ ــــي لــيـــ ــس أزرق

[اسيرة الصمت]

عجبني هالموضوح وحبيت اتناقش معكم فيه

من مشاهداتي اليومية سيكون ما أكتب..وجدت أنها ظاهرة تستحق الوقوف عليها و التأمل في شأنها كثيراً

إنها ظاهرة النعرة القبلية أو القومية أو سمها بأي اسم.. فمحتواها و فحواها واحد... إنه الكبر و الاعتداد بالعرق الذي ينتسب إليه كل منا.. و دعوني ابتدئ بالتنويه إلى أنني لااتكلم من منطلق أنني لا أنتمي لقبيلة أو قومية... فأنا من أعرق القبائل ولله الحمد و من خير ناس بإذن الله ولا أزكي نفسي ولا من أنا منهم.. إنما أريد التوضيح لأؤلئك الذين قد يتبادر إلى أذهانهم شئ غير ما اقصد...


إنني اقرأ و اسمع و أرى كل يوم ما يحزن بكل ما تعنيه الكلمة... أجد من يستخف بلهجة شخص ما من منطقة ما أو دولة ما .. أجد من يسخر من الآخر لمجرد أصله أو جذوره التي ينتمي إليها... أجد من يتسفه على الغير بطريقة الظرب تحت الحزام و الأساليب المبطنة بالخبث المغلفة بالرقة والجمال... أجد من يظن أن بانتمائه لمكان ما بادية كانت أو سراة أو وادي أو نهر أو بحر أو غيرها,, أنه بانتمائه لهذا المكان قد أصبح النبيل... الطاهر.. العفيف.. صاحب الدم النقي .. لا يعلم أنه بهذه العقلية أنما يخالط قلبه الخيلاء .. و يتعثر في مطبات الكذبة التي صدقها وسولها له أسلافه و من هم على شاكلته من أقران أو أقارب أو ممن ينتمون لنفس الفكر الجغرافي المتعفن....


إني أنظر لهم.. فتطفوا على وجهي بسمة مؤلمة لحالهم... فليست المصيبة في أن تعرف من تكون .. المصيبة أن لا تعرف من تكون و تلعب دوراً ليس دورك و مكانة خُيِّل لك أنها مكانتك الحقيقية ... يالـ سخرية القدر!! يتصور أصحاب الفكر الجفرافي المناطقي المتهالك أنهم ذوو دم أزرق و الباقون مجرد طفرة جينية تتوسخ بهم أنامل الشرف الذي يدعون أحقيتهم به دون غيرهم... يظنون أننا كومبارس و هم من يلعب دور البطولة في الأصول و الكرم والنبل و الذوق و أنهم الأرقى لهجة و الأجمل شكلاً و الأفضل عادات و و الخ من طابور طويل من الصفات الحميدة... ثم يتركون لنا الخبث!!


المشكلة أن الشمس لا تغطيها الغربال كما يقال.. كلنا يعرف ماضيه... كلنا يدرك تماما ماذا كان و ماهو عليه الآن.. لكنه بطر الحق و الجهل المطبق.. وليس ثمة اسوأ من جاهل متعلم.. في أدراجه كومة من الشهادات .. لكنها مجرد حبر على ورق.. ما ينبغي أن يدركه هؤلاء هو أنه مامن مكان ولا مجتمع ولا جماعة إلا و لها مالها من ميزات و لها مالها من عيوب.. وأنه لا يوجد بشر بأثواب الملائكة الا في عقولهم هم...

إن عقلية النعرة تسيطر على الذهن المشلول فيهم إلا وقت التباهي.. فتجده يهب كالممسوس ليقارع الآخرين بأنني : "ابن فلان ابن علان من ذاك المكان..و أنت من أنت يا قليل الشآن؟" ويأتيك بالاشعار والقصص العنترية والحاتمية و يعود بك للعصر الحجري والبرونزي و الخشبي.. ثم يصب في أذنيك رصاص دعاوي العرق السامي .. بإحساس هتلري صرف.. و بحة موسولينية نقية.. رايخ جديد أدلجته خيالات منتنة تقول "أنا الأفضل وأنت أقل" مؤسف والله هذه المشاهد.. العبرة تخنقني حين أجد هذا الفكر ما يزال ينمو و يترعرع في عقول بعضنا و نحن ابناء هذا الجيل.. لكني دائماً أتذكر :"من شب على شئ شاب عليه".. و أتذكر الحديث الشريف " ...فأبواه يهودانه أو نصرانه أو يمجسانه.." فعلاً.. فدور المحيط الذي ينتمي إليه الإنسان له أثر كبير في قولبة فكر كل إنسان.. لكن هل يعني ذلك الرضوخ.. الكارثة أنهم يعيشون غيبوبة إرادية بعيون مفتوحة وأذهان موصدة النوافذ والأبواب .. حيث أغلقوها على تلك الخزعبلات الطبقية !! فهل سيصحو نائمهم؟ .. إنه في علم الغيب...


إلى أؤلئك الذين يظنون أنهم الصفوة والعرق السامي شعوريا أو لا شعورياً أقول: أفيقوا.. فلم يكن المقياس أبداً جغرافية منطقتك.. أو جذورك .. المقياس يبدأ بمعرفة هذا الانسان بداخلك... صفاتك... أخلاقك ... تعاطيك مع الآخرين ... معاملتك... صدقك.... إنصافك...والكثير من المعاني الراقية الحقة.... ولا يظن ظان أنني لا أحترم القبيلة أو القومية التي يعود لها كلٌ منا... فأنا أعتز بمكن أكون و أتشرف... لكن لا نجعلها محور لكل إحساس أو تعامل مع الآخر... لا نجعلها معيار نحكم من خلاله على من حولنا... ينبغي أن لا نسبح في فلك هذه الفكرة , فما هي الا مجلبة لمزيد من الفرقة في زمن الجميع من حولنا يأتلفون إلا نحن!


أريد أن أقول لهم.. المستقبل ليس لكم ولا لمن يحمل فكركم الذي ستدوسه عجلات النور شئتم أم أبيتم!

وختاما.. أود أن أقول لإقطاعيي الحس و أسياد فكر السخرة والرقيق و الخيلاء.. أني كلما اقرأ لهم أو أسمعهم هنا أو في أي مكان, يحضرني قول الشاعر:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله..... و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم

لكم الود والورد