|
|
05-02-2005, 02:20 PM | #1 |
(حلا نشِـط )
|
تـــــــــــــــــابع
اتسعت حدقتا الفتاة التي أطلت من فتحة الباب ... و ألقت علينا جميعا نظرة مذهولة و قالت : " سيد وليد ! " وليد قال : " مساء الخير.. هل العم إلياس موجود ؟؟ " ردت الفتاة : " خالي في طريقه إلى هنا .. " ثم عاودت النظر إلينا أنا و دانة ، ثم قالت : " ما الأمر ؟؟ " قال وليد : " فررنا من القصف الجوي... نجونا بأعجوبة " الفتاة وضعت يدها على صدرها و شهقت .. ثم قالت : " أ ... أنت ... تقيم في المدينة الصناعية ؟؟ " أجاب وليد : " نعم ، مع عائلتي .. " و أشار إلينا.. ثم قال : " تدمرت مدينتا.. و الآن.. أصبحنا بلا مأوى.. " سرعان ما فتحت الفتاة الباب على مصراعيه و قالت : " هلموا بالدخول " وليد قال : " سننتظر العم إلياس.. " ألا أن الفتاة أصرت : " تفضلوا رجاء ... " ثم التفتت إلى الداخل و أخذت تنادي : " أمي ... " وليد الآن التفت إلينا و قال : " تعالا" ترددنا قليلا ألا أننا سرنا معه إلى الداخل ... و في النور استطعت أن أرى وجه الفتاة الذي لم يكن جليا قبل قليل... فتاة شديدة البياض و الشقرة... زرقاء العينين حمراء الخدّين.. أجنبية الملامح.. أقبلت سيدة أخرى نحونا و حين رأت وليد تهللت و رحبت به بحرارة.. السيدة كانت شديدة الشبة بالفتاة.. قالت الفتاة : " هربوا من المدينة الصناعية يا أمي ! " امتقع وجه السيدة ثم قالت : " أوه ربّاه ! حمدا لله على سلامتكم " و أخذت الفتاة تكرر ذلك أيضا .. قال وليد : " سلمكما الله ، شكرا لكما و أعتذر على حضوري إلى هنا ..لكننا بحاجة لمكان آمن نبات فيه ليلتنا هذه " السيدة الكبرى أشارت إلى وليد بالتوقف عن الحديث و عادت ترحب من جديد .. و التفتت إلينا أنا و دانة .. وليد قال : " شقيقتي و ابنة عمّي " قالت السيدة : " و أين أبواك ؟ " قلت : " لم يعودا من الحج بعد .. أو .. لا أعرف ما حصل معهما ! " قالت السيدة و هي تشير بيدها نحو المقاعد : " تفضلوا رجاء .. تفضلوا " أنا و دانة كنا ممسكتين بيد بعضنا البعض .. واقفتين بحذر و تردد.. وليد تحدّث إلينا قائلا : " تعالا .. لنجلس هناك " و سرنا معه إلى المقاعد.. و جلست دانة ملتصقة به و أنا ملتصقة بها.. وليد ألقى نظرة علينا ثم قال مخاطبا الفتاة : " هل لنا ببعض الماء من فضلك ؟؟ " " فورا " و ذهبت الفتاة و عادت تحمل قارورة كبيرة من الماء المعدني و كأسين اثنين.. ملأتهما ماءا و قدّمت الأول إلي و الثاني إلى دانة.. فشربنا بنهم شديد... المزيد و المزيد و المزيد... و وليد و الفتاة و السيدة يراقبوننا بشفقة ! ذهبت الفتاة و أحضرت قارورة أخرى و كأسا ثالثا و دفعتهما نحو وليد ... " تفضّل " وليد تناولهما و بدأ يشرب الكأس بعد الآخر حتى أفرغ معظم محتويات القارورة في جوفه.. أيّكم جرّب عطشا كهذا العطش ؟؟ ألا لعنة الله على الظالمين ... قالت السيدة مخاطبة الفتاة : " اذهبي و حضّري بعض الطعام.. حضّري الحساء و الشطائر " و أسرعت الفتاة منصرفة إلى حيث أمرت .. وليد قال : " نحن آسفون يا سيدة ليندا .. إننا" فقاطعته السيدة و قالت : " لا .. لا داعي لقول شيء يا بني .. ألف حمد لله على نجاتكم .. " ثم سمعنا صوت الباب ينفتح ، و يدخل منه رجل عجوز ... ما أن دخل حتى وقف وليد فوقفنا أن و دانة تباعا .. الرجل ذهل ، و قال بتعجب : " وليد ؟؟ " و أقبل وليد نحوه فصافحه ثم أخبره عما حصل معنا ما دعانا للحضور إلى هنا.. و العجوز لم يقل كرما عن السيدة و الفتاة .. بل رحب بوليد و عانقه و حمد الله كثير على سلامته.. حتى هذه الساعة لازلت بين الإدراك و إلا إدراك .. بين الحقيقة و الحلم ، و التصديق و التكذيب... و لازلت أشعر بتعب لا يسمح لي بالوقوف أكثر من ذلك.. خصوصا على قدم جريحة متألمة.. لذا فإنني هويت على المقعد و ألقيت برأسي على مسنده.. دانة جلست إلى جواري و ربتت على كتفي و قالت : " رغد.. أأنت بخير ؟؟ " أنا تنهّدت و أننت .. وليد أقبل هو الآخر نحوي قلقا .. و قال : " أأنت على ما يرام ؟؟ " أشرت إلى قدمي .. أنا أتألم.. وليد قال مخاطبا الرجل العجوز : " أيوجد لديكم مطهرا و ضمادا للجروح ؟؟" السيدة غابت ثوان ثم عادت تحمل ما يلزم .. وليد قال : " يجب غسلها أولا .. " السيدة قالت : " دورة المياه من هنا " ألا أنني هزت رأسي ممانعة.. و لزمت مكاني.. دانة قالت بصوت هامس تكلم وليد : " أنا أريد استخدام دورة المياه " وليد أستأذن أصحاب المنزل ، ثم نهضت دانة واقفة ، تغطي معظم وجهها بالقميص الموضوع على رأسها... اعتقد أن الرجل العجوز انصرف هذه اللحظة .. أما السيدة الأخرى فعادت تشير إلى ناحية الحمام : " من هنا .. " ~~~~~~~~~~ |
05-02-2005, 02:21 PM | #2 |
(حلا نشِـط )
|
تـــــــــــــابع
ذهبت دانة إلى دورة المياه ، و السيدة استأذنت و غادرت لدقائق.. و بقيت أنا متهالكة على المقعد و وليد واقف إلى جواري.. قال : " أأنت بخير صغيرتي ؟؟" لا ! كيف لي أن أكون بخير ؟؟ إنني في حال من أسوأ الأحوال التي مرت علي ّ ... بدأت بالبكاء ألا أن دموعا لم تخرج من عيني ... وليد جلس بقربي و قال : " ستكونين بخير.. نجونا من الموت .. الحمد لله " شعرت لحظتها برغبة في الارتماء في حضنه.. و البكاء على صدره.. و الاسترخاء بين ذراعيه.. أنا متعبة و أتألم.. أريد من يواسيني و يشجعني.. أريد حضنا يشملني و يدا تربت علي.. أريد أمي.. أريد أبي.. أريد وليد.. و لم أنل منه غير نظرات مشجعة.. أقبلت السيدة تحمل معها وشاحين.. قدّمتهما إلي.. نزعت ُ عن رأسي ما كنت أتحجّب به، و لففت أحد الوشاحين حول رأسي ، على مرأى من وليد ... و عندما عادت دانة ، و قد غسلت وجهها و قدميها الحافيتين أعطيتها الوشاح الآخر... قالت : " تعالي لأغسل جرحك رغد..." و أيضا لم أتحرّك .. ففوق تعبي و إعيائي و الدوار الذي أشعر به.. أنا خائفة.. نعم خائفة.. السيدة قامت بنفسها بإحضار وعاء يحوي ماء .. و وضعته عند قدمي ّ و قالت : " هل أساعدك ؟ " دانة قالت : " شكرا لك ، سأفعل ذلك " ثم أخذت تحل الضماد ـ و الذي هو عبارة عن كم قميص وليد ـ من حول قدمي .. و غمرتها بعد ذلك في الماء النظيف الدافئ.. بدأت الأوجاع تتفاقم و تتزايد..و أخذت أئن و أصيح .. لكنني لم أقاوم.. و استسلمت لما فعلته دانة بقدمي.. و أنا مغمضة العينين.. عندما فتحتهما كانت قد انتهت من لف قدمي بالضماد ... كما أن السيدة أحضرت ماءا نظيفا لأغسل قدمي الأخرى... كل هذا و أنا ملتزمة الصمت و السكون إلا عن أنات و صياح ألم.. و الآن، جاءت الفتاة تحمل صينية ملآى بالشطائر بينما يتبعها العجوز حاملا صينية أخرى رُصّت علب العصير الورقية فوقها... و وضعا الطعام و الشراب أمامنا و الفتاة تقول : " تفضلوا هذا لحين نضج الحساء " لم يمد أحدنا يده.. ما الذي يجعلنا نفكّر بالطعام في وقت كهذا ؟؟ فراح أصحاب المنزل يحثوننا على الطعام.. وليد تناول اثنتين من علب العصير و قدمهما لي و لدانة، فأخذت علبتي و شربت ما بها ببطء... أصحاب المنزل الثلاثة استأذنوا منصرفين عنا، ربما لنتصرف بحرية أكبر.. وليد أيضا وزع الشطائر علينا ألا أنني رفضت تناولها.. " خذي يا رغد.. لابد أنك جائعة جدا.. كلي واحدة على الأقل" " لا أريد " " هيا أرجوك .. ستموتين إن بقيت بلا طعام ساعة بعد " و لم يفلح في إقناعي.. لكنه و دانة تناولا شيئا من الطعام بصمت.. لحظات و إذا بالفتاة تقبل بأقداح الحساء الساخن.. و تقدمها إلينا ثم تنصرف.. أجبرت نفسي على رشف ملعقتين من الحساء.. ثم أسندت رأسي إلى المقعد و أغمضت عيني.. كنت أسمع أصوات الملاعق .. و حركة الأواني .. و ربما حتى صوت بلعهما للطعام و هضم معدتيهما له ! و أسمع كذلك صوت نبضي يطن في أذني.. و أنفاسي تنحشر في أنفي.. و الآن .. صوت وليد يناديني .. " رغد " فتحت عيني فوجدته ينظر إلي بقلق.. و يعيد السؤال : " أأنت بخير ؟؟ " قلت : " أنا متعبة " قال : " سأتحدّث معهم .. " ثم نهض و نادى : " أيها العم الطيب .. " ظهر الثلاثة من حيث كانوا يختبئون عنا .. قال وليد : " اعذرونا رجاء ً.. إننا في غاية التعب فقد قضينا ساعات طويلة نسير في الخلاء.. أين يمكننا المبيت بعد إذنكم ؟؟ " قالت السيدة : " ستنام ابنتي معي في غرفتي و يمكن للفتاتين المبيت في غرفتها.. سنعد فراشا أرضيا إضافيا " و قال العجوز مخاطبا وليد : " و أنت غرفتك كما هي " قال وليد : " هذا جيّد ... " ثم أضاف : " أشكركم جميعا جزيل الشكر.. إنني " و مرة أخرى قاطعته السيدة و قالت : " لا داعي لكل ذلك يا سيد وليد، ألم نكن كالعائلة؟ جميعكم أبنائي.. " ثم أضافت مخاطبة الفتاة : " خذي الفتاتين إلى غرفتك " الفتاة أقبلت نحونا و هي تبتسم و تقول : " تفضلا معي .. " كلانا نظرت إلى وليد بتردد.. فقال الأخير : " هيا عزيزتاي " و هز رأسه مطمئنا.. يبدو أنه على علاقة وطيدة بهم.. و يثق بهم كثيرا.. وقفت دانة و وقفت معها .. ثم قلت لوليد : " و أنت ؟ " قال : " سأبات في غرفة في الخارج تابعة للمنزل " هززت رأسي اعتراضا شديدا ... مستحيل ! و عوضا عن مرافقة الفتاة اقتربت منه هو ، و قلت : " لن تذهب و تتركنا " قال : " إنها غرفة خارجية اعتدت المبيت فيها.. ملاصقة للمنزل تماما " هززت رأسي بإصرار أشد : " لا .. لا " وليد نظر إلي بضيق و تعب و أسى .. كأنه يرجوني أن أطلق سراحه و أدعه يرتاح قليلا.. قال : " ستكونين بخير.. هذه عائلتي " ألا أنني ازددت إصرارا و رفضا و قلت : " سأذهب معك " وليد و دانة تبادلا النظرات .. و لم يعرف أي منهما ما يقول.. مددت يدي فأمسكت بيده مؤكدة أكثر و أكثر بأنني لن أسمح له بالابتعاد عني.. أخيرا تكلّم وليد مخاطبا أصحاب المنزل : " إن لم يكن في ذلك ما يزعجكم .. فسنبيت في الغرفة الخارجية نحن الثلاثة.. و نحن آسفون لكل ما سببناه لكم من إزعاج .. " العجوز تكلّم و قال : " كما تشاءون يا بني.. سأجلب المزيد من الفرش و البطانيات لكم " و تحرك الثلاثة ، و أحضروا البطانيات و حملوها سائرين نحو الباب، و سرنا معهم إلى خارج المنزل .. كانت الغرفة المقصودة هي غرفة تابعة للمنزل مفصولة عنه بجدار مشترك.. و كانت صغيرة نسبيا و بداخلها سرير صغير و أثاث بسيط ، و تتبعها دورة مياه صغيرة قريبة من الباب.. الثلاثة و معهم وليد تعاونوا في تحضير فراشين أرضيين على المساحة الحرة من الغرفة.. و حالما انتهوا ، قال العجوز .. " أتمنى لكم نوما هانئا " و عقّبت السيدة : " تصبحون على خير" أما الفتاة فقد أسرعت بالذهاب ثم العودة بصينية الشطائر و بعض العصائر .. و وضعتها على المنضدة الصغيرة التابعة لأثاث الغرفة و هي تقول : " فيم لو احتجتم أي شيء فلا تترددوا في طلبه ! " وليد قال : " شكرا جزيلا..هل نستطيع استخدام الهاتف ؟ " قال العجوز : " بكل تأكيد.. " فشكرهم كثيرا و كذلك فعلت دانة ، ثم انصرفوا ... و فور خروجهم أقفل وليد الباب و أقبل إلى الهاتف .. و اتصل بأحد الأرقام .. و كان أول ما نطق به بعدها و بلهفة شديدة : " سامر .. يا عزيزي .. أأنت بخير ؟؟ " ~~~~~~~~ |
09-05-2005, 11:54 PM | #3 | |
(حلا جديد )
|
اقتباس:
basma |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هذي حياتي | NOOR ELHOODA | الإرشيف الأدبــي | 14 | 15-03-2006 05:37 AM |
هذه حياتي | هلوول | مجلس حلا لعذب الكلام | 9 | 03-01-2006 10:11 AM |
قصة حياتي / قصيدة | وردة الحب | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 12 | 26-10-2005 06:50 PM |
أمنية حياتي | dark angel | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 4 | 10-04-2005 03:30 AM |
هذه حياتي | حلاه الكون | مجلس حلا لعذب الكلام | 4 | 28-01-2005 06:30 PM |