:: أتصل بنا ::

 

::+: الواجهه الرئيسيه :+:: ::+: البحث في الاقسام والمواضيع :+::

العودة   منتديات حــلا > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-10-2008, 07:32 PM   #1
لطفي

¨¤¨نائب الإدارة¨¤¨

 
الصورة الرمزية لطفي
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Nov 2005
رقم العضوية: 16277
المشاركات: 8,515
عدد المواضيع: 493
عدد الردود: 8022
الجنس: ذكر


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
لطفي is on a distinguished road

لطفي غير متصل
Lightbulb خطبة الجمعة ليوم 24 شوال 1429 هـ ((العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية))

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد...

العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية


الحمد لله شهدت بقيوميته أجلى البراهين نُقولاً وأسماعًا، وخضع لبديع شرعه وحُكمه الكون طُرًّا أقطارًا وأصقاعًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أبان حقوق الرعاة والرعايا طاعةً واستماعًا، وتآلفًا واجتماعًا، ونهى عن التنازع والتفرق أشتاتًا وأوزاعًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله أشرف داعٍ خُص ائتساءً واتباعًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أنعِم بهم آلاً وأكرِم بهم صحبًا وأتباعًا، الأولى نشروا الدين في الآفاق، وامتطوا للحق ضباة ويراعًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ومد في نصرة الحق شبرًا وباعًا، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد:
فيا عبادَ الرحمن، خير ما يُوصَى به ويلقَى ويَزدان به اللِّسان نُطقًا وأفضلُ ما نسمو به ونرقَى الوصيَّة بالتقوى؛ فهي الأقوَى والأبقَى والأنقَى، فاتَّقوا الله رحمكم الله، فهي للقلوبِ القوةُ والإشراق، وللأعمال الحقِيقَة والمصداق، وللحياة ـ لعمرو الحقِّ ـ البَلسَم والائتلاق.
أيّها المؤمنون، مِن عَبَق التّأريخ الذي سطَّر بمِدادِ اللُّجَينِ جَلالَ شريعتنا الغراء ودوَّن في طُروس المجدِ مَراسِيَ خِلافتها الشّماء وازدَهى بعِزَّتها القَعسَاء نَستروِح أنسامًا من نُظُم أمّتنا الإسلاميّة وقواعدها الشرعيّة وأحكامها العليّة ووَثيقَ الصِّلةِ السّنيّة بين الراعي والرعية، في تواؤُمٍ بديع خّلاب وتَلاؤُم محكَم مهاب وحقٍّ وواجب متقارَضَين قد أصَّلهما السنّةُ والكتاب، نُزجِي ذلك للحقِّ والحقيقة، في وقفةِ تعقُّل واعتِبار ولحظةِ تأمُّل واستبصار، حين رامَ فِئام الخيرَ والإصلاحَ، فجرَّبوا طرائقَ قِددًا ووسائِل لِبَدا وسلَكوا بُنَيَّاتِ الطريق، فلم تُجدِ في حلِّ المشكلاتِ ولا الخلاص من النّكبات، ولم تسدَّ الفجوةَ، ولم تَردم الهوّة، بل أشعَلتها فتيلاً، وغدا الحالُ بها بئِيسًا ووبيلاً، ولن تجِدَها إلاّ في مسلكٍ واحد ومَنهجٍ رَاشد يتمَّثل في العلاقةِ الشرعيّة بين الرُّعاة والرّعيّة.
يُؤَكَّد ذلك ـ أيّها المسلمون ـ تَبصِرةً للمعرِض القافِل وذِكرى للثّابر الغافل ورِدءًا للمتبصِّر العاقل، على حينِ اعتِرام الفتَن وغلَبَة الأهواء والمحن واندراسِ هذا الأصلِ الأصيلِ مِن الصدور وخُفوتِ ضوئه إلاّ من السّطور، وحَيث استولى لدَى فِئامٍ منَ الناس في بابِ الإمامة الاضمحلالُ والكلال، ولابَس معنى الولايةِ الاستثقالُ والإِمحَال، وعزَّ الإنصاف في هذا الموضوع وغارَ الاعتدال، على ما تقرَّرَ لدَى حُكماءِ الأمَم ورادَةِ العمرانِ البشريّ وأساطينِ الاجتِماع من أنَّ الإمامةَ قِوامٌ للملَّةِ وقَوَّامة على الأمّة؛ بها تُحكَم الأمورَ وتُصان الثّغور وتعمَر الدّور وتقمَع الفتن وتدرَأ المحَن وتصان البَيضَة وتزهِر الفَيضَة ويحفَظ الأمن والنّظام ويُساس الخاصّ والعام وتتهلَّل أساريرُ الإسلام ويعُمّ نوره الساطع الضّرابَ والآكام وتنتشِر العلوم والأحكام، فالقِسط والعدل بالإمامةِ منارُهما دائمٌ، والإحسانُ والفضل بها مَكين الدّعائم، والصّلاح منبسِط ممتدٌّ، والدين في علائِه مشتدّ.
إنها لُحمَةٌ على السّمع والطاعة تنصُّ، وعلى الإجلالِ والمحبّة تحضّ وتخُصّ. إنها علاقة عقديّة تعبُّدية تقوم على ركيزةِ إعلاءِ مصالحِ الدّين ورَفع صَرحِ الشريعة وإِعلاء رايةِ الحِسبة، وتتجافى عن المصالحِ الذاتية والمطامِع الشخصيّة والحبِّ المزعوم والمديح الكاذبِ والإطراءِ المزيَّف والاقتياتِ على فُتاتِ موائدِ الأحداث، عن عثمانَ رضي الله عنه قال: (ما يزَعُ الإمام أكثر ممّا يزَع القرآنُ) أخرجه ابن عبد البر، وقال الإمام أحمد رحمه الله: "الفتنة إذا لم يكُن ثَمَّ إمامٌ يقوم بأمرِ النّاس"، ويقول الماوَرديّ رحمه الله: "فكانَت الإمامةُ أصلا، عليه استقرَّت قواعد المِلّة، وانتظَمَت به مصالح الأمّة، حتى استَثبتَت بها الأمور العامّة والخاصّة"، ويقول القلعيّ الشافعيّ: "نِظام أمرِ الدين والدنيا مقصودٌ، ولا يحصُل ذلك إلا بإمامٍ موجود، لو لم يكن للناس إمام مُطاع لانثلمَ شرفُ الإسلامِ وضاع، ولتعطَّلت الأحكام، وفسَد أمر الأنام، وضاعتِ الأيتام، ولم يحَجُّ البيت الحرام".
معاشرَ المسلمين، ولهذه المكانةِ الزاهرة والمفاخِر الظاهرة والأحكامِ الباهرة كان الشرعُ الحكيم بتلكَ الرّتبة حفيًّا، ولمقدارِها المُنيف معظِّمًا ووفيًّا، يقول جل شأنه : نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[النساء:59]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "والظاهرُ ـ والله أعلم ـ أنها عامَّة في كلِّ أُولي الأمر من الأمراءِ والعلماء"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة قال: ((على المرءِ المسلم السمعُ والطاعة فيما أحبَّ وكره، إلا أن يُؤمر بمعصيةٍ، فإن أمر بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعة)) أخرجه البخاري، وعند مسلمٍ: ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حمِّلوا، وعليكم ما حمِّلتم)).
ومِن آثار السّلف رحمهم الله في تعزيزِ هذا الأصل العظيمِ قولُ الإمام الطحاويّ رحمه الله: "ولا نرَى الخروجَ على أئمَّتنا وولاةِ أمورنا وإن جاروا، وندعو لهم ولا ندعو عليهم، ولا ننزِع يدًا من طاعتِهم، ونرى طاعتَهم من طاعةِ الله عزّ وجلّ فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصّلاح والمعافاة"، وقولُ أبي زرعةَ وأبي حاتم: "أدركنا العلماءَ في جميع الأمصار حِجازًا وعراقًا شامًا ويمَنًا، فكان من مَذهبهم: ولا نرى الخروجَ على الأئمّة، ونسمع ونطيع لمن ولاّه الله عزّ وجلّ أمرَنا، ولا ننزِع يدًا من طاعةٍ، ونتَّبع السنة والجماعةَ، ونجتنِب الشذوذَ والخلاف والفُرقة".
من أجلِ ذلك ـ معاشر المؤمنين ـ كانت قضايا إقامةِ التشريعِ الإسلامي والحثِّ على الطاعة ولزومِ الجماعة وإقامةِ الولاية الحكيمةِ مِن أفدحِ المشاقّ والمسؤوليات وأثقلِ الأعباء والأماناتِ التي أناطها البارِي جل وعلا في عنُق كلِّ مسلم، فضلاً عن الولاةِ، وما نَسيج الأمة المسلمةِ الذي لُحمَتُه الإمام المقسِط وسَداه الرّعيّة السميعة إلا ثمرةٌ لتلك الأحكامِ التي في أكنافِها يبسُقُ الإسلام ويعِزّ أهله وتتحقَّق مصالحه وتتجلَّى إِشراقاتُه وجماليّاته ويؤتِي أُكُله كلَّ حين بإذن ربِّه.
إخوةَ الإيمان، إنها لَقضيّة أوجب بسطَها نَدُّ الفَهم وغَلَبة الوَهم، واقتضت أُلفة الجماعةِ سَبر أغوارِها وتجليَة أخبارِها التي عتَّمها بعضُ الصّلَف البشريّ والعتُوّ الأرعن والجعظريّة الممقوتة والادِّعاء الزائف من عُميِ الأبصار وطُمسِ البصائر؛ ممّا حمَل أقوامًا توشَّحوا سِربال الاستِصلاح أو الإِصلاح إلى بَسط أقوالهِم وأقلامِهم في نقدٍ مشحونٍ بالشّكوى والتبرُّم والتذمُّر، نفدٍ مُفعَم بالتركيزِ على السّلبيات وتتبُّع السّقَطات وجلدِ الذّوَات ونشرِ النقائصِ والسّوءات على كلِّ الشبكاتِ والمنتديَات.
وشرُّ الناس ما بين الورَى رجلٌ مِثل الذباب يُراعي مَوضِعَ العِلَل
مُنساقين وراءَ عشوائيَّة القول ونَزَق العَقل وحَبائل الهوَى ورَغائب النّفوس بدَعوى التطويرِ والمشاركةِ الفاعِلَة، يقول الإمام الشوكانيّ رحمه الله: "ينبَغي لمن ظهر له غلَط الإمام في بعض المسائلِ أن يناصِحَه، ولا يظهر الشناعةَ عليه على رؤوسِ الأشهادِ".
ومن ظنَّ أنَّ النقدَ لأهلِ الحلِّ والعقل والعلماء والدعاةِ ورجال الخير والحِسبة على هذا المنوالِ منطوٍ على إساءاتٍ زريّة وطعونٍ مُغرِضة فَريّة بحجَّة الإصلاح أو النصيحةِ أو الجرأةِ في الحقّ فقد جانبَ الصّواب وأبعد النجعةَ، وعَينُ النصيحة نبذُ ذلك؛ لإفضائِه بِتماسكِ الأمّة وتَرابُطِها إلى يَباب الفُرقة ورُعوناتِ الأهواء، ولخُلوصه إلى انتقاصِ مَن جاء الشرع برعايةِ حقوقهم وحِفظ هيبَتهم. وليس ذلك ـ يا إخوةَ الإيمان ـ مما يُزعم من حريَّة الرأي والتعبير ولا مِن رُؤَى التّعمير في قبيلٍ أو دَبير، وما هو إلاّ مِعوَل الهدمِ والتدمير. وعلى الأمةِ بكلِّ أطيافها ـ لا سيَّما دعاتُها وشبابها ـ أن تحذرَه وتخشاه وتتجانَفَ عن جرَّائِه ولأوَاه، ولا يَلزَم من ذلك التّرك والتغَاضي والتجافي عن الاحتِساب والتواصي؛ فأهمُّ من النُّصح أسلوبه وتحقيقُه للمصالحِ العظمى ودَرؤُه للمفاسد الكبرى، يقول الإمام القرافيّ رحمة الله: "ضَبطُ المصالحِ العامّة واجب، ولا ينضَبِط إلا بهيبةِ الأئمّة في نفوس الرعية".
أمّةَ الإسلام، ومِن نَبواتِ الأفهام وكَبوات الأقدامِ في كثيرٍ منَ المجتمعات ولدى كثيرٍ منَ الفئام والأطيافِ أنَّ التغييرَ والإصلاحِ كامِنٌ في المروقِ والإيجاف والصّولةِ والإرجاف، دون تبصُّرٍ في النتائجِ ونظَر في العواقب وتنوُّرٍ للآثار والمآلات بفهمٍ حصيفٍ ثاقِب، أو أنّه يكمُن في التنصّل من الدين والتميُّع في تطبيقِ الشريعة وتقديمِ التنازلاتِ تلوَ التنازلات والانفلات من الثوابِت والمبادئِ والقِيَم والانسياقِ وراء الانفتاحِ اللامُنضَبط دون مراعاةٍ لخصوصيّةِ الأمة المسلِمة ومميِّزات المجتمع المحافظ، لا سيّما في مجالِ التعليم والإعلام وقضايا المرأة.
سَلوا علماءَ الملَّة وحُكّام الأرض قاطِبةً والأمّة، استَعبِرا عَصرَكم الراهِن، اقرؤوا التأريخ، تأمَّلوا الوقائعَ والأحداث وما يَكمن فيها من عظاتٍ وعِبَر وما تنضُح به من قوانينَ لازِبَة وسُنَن، سلوهم جميعًا أو أشتاتًا: هل دفَعت المناوشاتُ والمصاوَلات والمصادَمات بين الرعيّة والرُعاة ضِيقًا وضيرًا؟! وهل جلَبتِ انفراجًا وخيرًا؟! كلا يا محبُّ ثم كلاّ، فما زادَت تلك الوسائل الأمّةَ إلا جراحًا، ولا أهلَ الدين والدعوةِ وأعمالَ الخير إلاّ شِدّةً ووَهنًا وأتراحًا، يعلم ذلك من لَه أدنى مَسكَة من علمٍ أو نهى.
وايمُ الله، إنَّ مِن الغبنِ لديننا والهضمِ لأمّتنا ـ وهي تحتَسِي الهمَّ والضّنى وتتجرَّع في كلِّ شبرٍ الصّابَ والعلقم ـ أن نغرِقَها في لُجَج المآسِي الذاتيّة، وأن نزيدَ من ضِرام الفِتن بين جَنَباتها، فكفاها ما دَهاها، ونَصرِف هممَنا عَن قضاياها الجلَّى وآمالِها الكبرَى، وما يرزَح تحت وطأَته كثيرٌ من الأنحاءِ جرَّاءَ الفِتَن والابتِلاء من القِوى الغاشمةِ والنُّظُم الظالمة ليس مَساغًا البتّة للتّناوُش والتّأليب.

مَن يلاقِ النارَ بالنارِ يزِدها لهبًا اطفاؤُه يغدو مُحالا

وأيّ برهانٍ ـ يا رعاكم الله ـ ينتزِعه العدوُّ المتربِّص وراءَ الأكمة على أنّنا أمّةٌ مستضعَفَة محتَرِبة أكبر من هذا؟! ساعةَ إِذ سَيشعُر الأعداءُ بالرِّضا والأمل لمزيدِ استقطاع أراضي أمَّتنا وبسطِ مَكرهم وقَهرهم ونفوذِهم. وليس يعزُبُ ذلك عن أولي الألبابِ والبصائر، وإنما يُعتَقَد وإليكم يُساق لَهُو والله صَفوَة الحبّ والودّ ومَحضُ النّصح والإشفاق، وأَلِيّة بالذِي وضع موازِنَ القِسط لا إله غيره أنّه ليس لأحدٍ مُجامَلة ومَدحًا، ولا لغيره ذمًّا وقدحًا، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[المائدة:8].
أيها الإخوة الأحبّة، ومن أهمِّ الواجبات المرعيّة على من وَلِي أمرَ الإمامة في الرعيّة حسنُ السياسَة الشرعيّة وكمال الأمانة وتمامُ المسؤوليّة، عَدلٌ في الرعيّة، وقَسم بالسَّوِيّة، ومُراقبة الله في كلِّ قضيّة، ومِن آكد ذلك بسطُ الأمن ومدُّ رواق العَدل؛ إذ هو نِبراس الدّين والهدى، وبه تَنجلي ظلماتُ الغيّ والرّدَى، وبه تأتَلِف القلوب وتسعَد الأمّة على الوجه المطلوب، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[النحل:90]، وفي الحديث أنَّ رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة قال: ((المقسِطون على منابرَ من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يدَيه يمين؛ الذين يعدِلون في حكمِهم وأهليهم وما وَلوا)) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
عن العدلِ لا تعدِل وكُـن متيقِّظًـا وحكمُك بين النــاس فليَكُ بالقِسطِ

وبِالرّفق عـامِلهم وأحـسِن إليـهمُ ولا تُبدِلَن وجهَ الرّضا مِنك بالسُّخط

ومِن ثَمَّ فعلاقةُ الإمامِ بأمّتِه والرّاعي برعيّته كعلاقةِ ربِّ الأسرة الرحيمِ بأفراد أسرتِه؛ يبذُل جهدَه لإسعادها، ولا يدّخر وُسعًا لمَدِّ فُسطاط الأمنِ والرّفق والتراحم والرخاء في أنحائِها، ينساق إلى تحقيقِ ذلك برُوح من الرّحمة والإخلاص ومخافةِ الله سبحانه.
ومِن أصول السياسة الشرعيّة عَدم الظلمِ والاعتساف؛ لأنَّ الظلم بابُ الفتن وبَريد القلاقلِ والمحَن ومُتبِّرُ الديار ومؤذنٌ بِغَضب الجبّار ونِقمة التّقاةِ والأخيار، ولم يكن امتطاء صهوةِ الاستبدادِ والنّهرِ والإقصاءِ والقَهر والمشقّة والإِعنات وقَصم الظّهر عبرَ التأريخ مؤلِّفًا للقلوب ولا دافعًا للخطوب، بل بالرّفق والعفوِ والحِلم والحكمة والرّحمةِ والحِوار تتحقَّق المقاصدُ الشرعية الغِزار والآمال العظيمة الكبار، يقول نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة في وعيدٍ شديد: ((اللّهمّ مَن ولي من أمرِ أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِي من أمرِ أمتي شيئًا فرفَق بهم فارفُق به)) أخرجه الإمام مسلم.
ذلك، ولكي تبلُغ الأمة ذُرى الائتلاف والتراحم والوِدادِ لزِم الإمامَ توقيرُ حرمةِ الإمامة، واستيفاء توقيرِ الرعيّة ورعَاية مصالحها، وتَولَية الأكفاءِ الأمناءِ في ثغورِها ومسؤوليّاتها، واتخاذُ البطانةِ الصالحة الناصحةِ لصلاح البلاد والعباد، وردُّ المظالم وإيصال الحقوق لأصحابها.
إخوةَ العقيدة، ولا غِنى للإمامةِ المقسِطة التي تتَغيَّى منازلَ السؤدَد ومدارات المجدِ عن رجالٍ مخلَصين وفي مقاصِدِهم مخلِصين، يجمعون إلى العِلم ومَديدِ النُّهيَة الشجاعةَ في الحقّ، وإلى الشجاعةِ الحكمةَ والبصيرةَ والعقلَ والحِكمة، يشاوِرونهم في المهِمّات والنوازل والملِمّات وفي مناحي الأحكام ومصادِرِ النقضِ والإبرام، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الشورى:38]، قاصدين عزَّةَ المجتمع وسعادتَه ووَحدتَه واستقامته؛ إذ لا إصلاح إلا بالدّين، ولا كمالَ دينٍ إلاّ بالعِلم، ولا علمَ إلا بالعَقل، ولا عقلَ إلا بعلُوِّ الهِمّة، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[البقرة:220]، والله من وَراء القصد، وهو يهدِي السبيل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الحج:41].
نفعني الله وإيّاكم بالذكر الحكيم وبهديِ سيّد المرسَلين، أقول قَولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ خطيئة وإثم، فاستغفروه إنّه كان غفّارًا، وتوبوا إليه إنه كان توّابًا.

الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرّد بالملكوت والسلطان، خصَّ من شاء بمزيد الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً نرجو بها الغفران والرضوانَ وأعاليَ الجنان، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله أشرفُ من درج على ثرى أقدس البلدان، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه البالغين ذرى القسط والإيمان، ومن ترسّم سيرتهم إلى يوم القيام للملك الديّان.
أما بعد: فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله حقَّ التقوى، وتذكَّروا الإرماسَ والمثوَى، فإمّا لظى عياذًا بالله، وإمّا جنّة المأوَى.
عبادَ الله، ولِما ظَهر من حاجةِ الأمصار إلى قوّةِ الإمامة، ولِما وجَب مِن لزومِ الائتِلاف والتّجافي عن التفرّق والاختلاف، ولِشيوع الاضطراب وتبايُن المشارِبِ في كثيرٍ من المجتمعاتِ وجَب على الراعِي والرعيّة التوارُدُ على الوفاق والتراحم والتنادِي على كلمةِ السّواء؛ للَمِّ الشعث ورأبِ الصدع، في خطابٍ يَهمِي بالمعاني الجوهريّة المتبادَلَة عبقًا بالسموِّ الخلقيّ والتجرُّد الشخصيّ النزِيه.

أعطني حبًّا وخُذ منّي وفاءً أعطني عَدلا وخُذ منّي اعتِدالا

وإنَّ مِن شكر النّعماء والتحدُّث بالآلاءِ ما تَعيشه هذه الديار المباركة ـ لا زالت بالإسلامِ منوَّرة وبحراسةِ الله مسوَّرة ـ وما خُصَّت به من كَونها تقدَّست ببيتِ الإلَه الديّان وتنزُّل القرآن ومأرِز الإيمان ومسجِد المصطفى من ولدِ عدنان، ومِن كونها مسرّةَ أهل التّقى والعرفان وبهجةَ الأرض ودرّة الأوطان وجمالَ الأسقاع وأقدَس البِقاع ومهوَى القلوب ومُستَراح الأرواح من النّدوب، فيها بقعةٌ من الجنة وحجَر من الجنّة، وفي الجُملة هل مِن شرفٍ أجلّ وأظهر وأعظم وأبهَر من وجود الحرمَين الشريفين على ثَراها؟!
في هذه الجزيرةِ الفيحاء التَأَم سلطان الشرعِ والعلم والكِياسة بسلطان الحكمِ والملك والسّياسة، وفيها التحَم الرعاة بالولاةِ، في إِرثِ حضارةٍ إسلامية شرعيّة ودَعوة إصلاحيّة سلفيّة مجيدَة، تُعلِي صرحَ العقيدة وترفَع لواءَ السنة وتحيِي منهجَ سلف هذه الأمة.

إني أرى هذه البلاد وأهلها عِقدًا ثميـنًا لا يُنال بسـوءِ ظنّ


علماؤها حكماؤها أبناؤُهـا جُبِلوا على حبّ العقـيدة والسنَن

فكانَت بحمدِ الله وفضلِه في عَلياء الشّملِ النّظيم وعلى قُنّةِ المنهج الشرعيّ الوسطيّ القويم، وكانت محاسِنَ الإنصافِ المتلوَّة وآثارَ الكتاب والسنّة الغرّ المجلوَّة.


آياتُ فخرٍ تجلَّى نورُها فغدَت مذكورةً بلسان العُربِ والعَجَم

في عالَمٍ يموج بالتحوُّلات والاضطرابات وكثرةِ النوازل والمستجدّات والمتغيِّرات، مع ما يُؤَمَّل مِن بذل المزيد في وسائل الثّبات على ثوابِتِ الدّين أمامَ تربُّص الأعداء الحاقدين وسِهام الخصوم المغرضين.
فيا أحبّتي المخصوصين بهذه النّعَم والمزايا والمنن، يا مَحَطّ آمالِ المسلمين ومَعاقِد عِزّهم المكين، يا مَن تهفو لهم الأمّةُ الإسلاميّة بكلِّ الأشواق في سائرِ الآفاق، هنيئًا لكم هذه المكانةُ والمآثر، فبِها نبتَهِج، وفيها نفاخِر، وحيَّهلاً ثمّ حيَّهلا إلى الحفاظ على عقيدةِ وأمنِ هذه الديار، وأن نصدَّ عنها دعاوَى كلِّ مَن يشرَق بهذه الآلاء من دعيٍّ حاسِد ختّار، ونصونها بإذنِ الله عن شرور طوارقِ الليل ونوازِع النهار ووَبيل المشاربِ والمناهج والأفكار، وامهروا ـ أجزل الله مثوبَتكم ـ لعَلائها ووَحدتِها وتآلُفها خرَائد الحبِّ والإيثار وفَرائدَ الحِكمة والاصطبار؛ تفوزوا وتفلِحوا وتدرِكوا أسمَى آية وأنبلَ غايَة.

يـا سامِعًا أصغَى لها إن راقَ معنًى لا تردّ


وافتح له بابَ الرضا وإن تَجِد عيبًا فسُـدّ

جعلني الله وإياكم ممّن يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، ويترسّمون من الحقّ أجلاه وأبينَه.
هذا، وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على أكرمِ البريّة وسيّد الناس، خير من قادَ وسَاس، كما أمركم بذلك ربّكم في أصدق قيلِه ومحكَم تنزيله، فقال تعالى قولاً كريمًا: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على النبيّ المجتبى...

خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ : عبدالرحمن السديس
بتاريخ : 23- 10-1426هـ



دمتم بحفظ الرحمن
اخوكم و محبكم في الله
لطفي
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
قديم 25-10-2008, 02:19 AM   #2
دينا احمد

نائبة الإدارة

 
الصورة الرمزية دينا احمد
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Nov 2005
رقم العضوية: 16799
المشاركات: 56,501
عدد المواضيع: 2821
عدد الردود: 53680
الجنس: انثي


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
دينا احمد is on a distinguished road

دينا احمد غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعة ليوم 24 شوال 1429 ه ((العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية))

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لطفى
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أسالك اللهم بخير من خيرك
الذي لا يعطيه غيرك
ان تجعل هذا الموضوع
فى موازين حسنات كاتبه
جزاك الله كل خير
ننتظر كل جديد ان شاء الله


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
قديم 31-10-2008, 02:54 AM   #3
شمس القوايل

نائبة الإدارة

 
الصورة الرمزية شمس القوايل
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: May 2007
رقم العضوية: 35230
المشاركات: 42,377
عدد المواضيع: 1355
عدد الردود: 41022


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
شمس القوايل is on a distinguished road

شمس القوايل غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعة ليوم 24 شوال 1429 ه ((العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية))

لطفي

بارك الله فيك وجزاك الله الخير

وجعله في موازين حسناتك ان شاء الله
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
قديم 31-10-2008, 05:50 AM   #4
ضحى النهار
(مراقبة مجلس حلا للصور)
 
الصورة الرمزية ضحى النهار
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2007
رقم العضوية: 39912
المشاركات: 11,852
عدد المواضيع: 821
عدد الردود: 11031


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
ضحى النهار is on a distinguished road

ضحى النهار غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعة ليوم 24 شوال 1429 ه ((العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية))

لطفي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
التوقيع:
\نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[BLINK]ضحى النهار[/BLINK]
 
قديم 12-11-2008, 12:07 PM   #5
فرح
مراقبة الديكور والأشغال اليدويه
 
الصورة الرمزية فرح
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Jun 2005
رقم العضوية: 6157
المشاركات: 2,311
عدد المواضيع: 872
عدد الردود: 1439


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
فرح is on a distinguished road

فرح غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعة ليوم 24 شوال 1429 ه ((العلاقة الشرعية بين الراعي والرعية))

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة مشرفة قسم الديكور فرووووحه نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة مشاركتكم تسرنا و غيابكم يحزننانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة الجمعة ليوم 17 شوال 1429 هـ (( بين الصبر والنصر )) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 13-11-2008 05:12 PM
خطبة الجمعة ليوم 17 محرم 1429 بعنوان (( الأقصى بين العدوان المشين والخذلان المهين )) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 4 29-01-2008 11:47 AM
خطبة الجمعة ليوم 3 حرم 1429 ( ابتغاء الدرجات العلى ) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 27-01-2008 01:52 AM
خطبة الجمعة ليوم 15 شوال 1428 بعنوان (( امانة القلم )) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 4 27-10-2007 11:38 AM
خطبة الجمعة ليوم 7 شوال 1428 بعنوان (( وماذا بعد رمضان )) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 25-10-2007 11:50 AM


الساعة الآن 03:18 AM


العاب فلاش
بلاك بيري
العاب ماريو
لعبة ماريو
العاب تلبيس
العاب طبخ
العاب باربي
لعبة باربي
سبونج بوب
العاب دورا
العاب سيارات
العاب ذكاء
صور 2014
صور شباب
فيسات بلاك بيري
نشر البن
العاب بنات
صور حب
صور ٢٠١٤
صور٢٠١٤
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd