عندما تصبح الحيله هي الوسيله

[نورفلسطين]

عندما اعتصر رزقي ضيق الحال ، وأصبح تأمين لقمة العيش من المحال ، حزمت أمتعتي وشددت الرحال، وأنا لا أعلم أين سيرسي بي الترحال،
تقاذفتني رياح الجنوب والشمال ،حتى تبعت خطواتي نحو طريق الأدغال
وكنت أخشى مفترس الحيوانات ولكن ساقني إليها بحثي عن الأقوات ، علني أجد بها ما يسد رمقي ، استمر بي المسير دون أن استسلم لتعبي ، ودون أن آبه لظمئي ،حتى اكتحلت عيوني برؤية آدمي مثلي ، ولكن أين أنا من حاله،إنه يقطع طريقه على ظهر راحلته ، ويشفي جوعه بخيرات مئونته ، فأب نفسي أن أذهب إليه لأحادثه ، وقررت أن أجعله يأتي مهرولا يرجو أن أجاوبه،فبحثت في مستودع أفكاري هنا وهناك، علني أجد ضالتي هناك، فقلت ليس لي إلا السقم، وضعف الحيلة والهمم،وأن هذه الحيوانات قد تكون لحيلتي خدم، وأن الأفعى خير من خدم حين تغرس أنيابها في بطن القدم ، فقرصت قدمي بأظافري وآذيتها حتى سال منها الدم،وصرخت مستغيثا ليرن صدى صوتي في أذن الرجل،فيأتي مسرعا تحمله النخوة والكرم، ويعلم واقعتي ،فيحملني على دابته ويعالج جرحي، و نتابع سيرنا معا، وأنا على دابته مرتاحا وهو يسير منهكا، حتى بلغ بي الجوع مبلغه، فأخذت أومئ له بالعبارات والإشارات ،حتى قال:(يكفي أن تخادعني ،إني أراك وأعلم أنك تراني ، فتعال هنا لتلقاني.)
فركضت دمائي وعلت وجنتي ،وحبست أنفاسي ،وكدت أن أفضح أمري ،وإذ به يصوب سهمه نحو الشجرة، ويصيب به أرنبا سمينا، ويركض إليه ويقول)ألم أقل لك ها قد أمسكتك)فأطلقت زفيرا تلاشت معه ملامح خوفي .شوي الأرنب وكان لي منه نصيب، وتابعنا سيرنا وهو لا ينطق بكلمه واحده ،حتى وقف فجأة وقال:(لم ينل الأقوى منك مني حتى تفعلها أنت ، هيا ابتعد و إلا ندمت .)كدت أن أنزل عن الدابة وأركض ناجيا بنفسي ، وإذ به يصوب حجرا نحو ضبعا كان يوشك أن يقترب منا ، فعدت لالتقت أنفاسي من جديد ، ولكني لم أحتفظ بحالتي هذه طويلا فقد قطعها علي بنبرته الحادة قائلا:(كنت أعلم بأني سآخذك معي ولكني لم أعرف أن نهايتك ستكون هنا .) عندما طرقت عبارته مسامعي جمدت عروقي ،وعقد لساني، فلم أتحرك من مكاني أنتظر حلول أجلي وإذ به يقول:(سأشتري خاتما غيرك من المدينة.)فلملمت أعصابي التي تمزقت إربا ، وعدت إلى سابق عهدي أنظر إليه متعجبا من صمته، وبقي الحال على حاله حتى وصلنا إلى المدينة فقال:(لقد انتهت الحاجة إليك وحان وقت التخلص منك .)فقلت في نفسي يا ترى من يقصد هذه المرة؟!
وإذ بنظراته تفترسني ويقول لي:(أتظن بأن حيلتك قد نجحت؟لقد استعملتك وسيله حماية حتى إذا هاجمنا أحد الوحوش جعلتك له وجبة وفررت بسرعة الريح،ولم أصدق قصة الأفعى لأني لم أرى لها أثرا ولم أسمع لها فحيح ، وأما عن صمتي فكان لكي لا أخسرك عندما أجعلك تقع في الكلام وتخبرني بنحو قصتك الصحيح ).

[نورفلسطين]

السلام عليكم
اتمنى منكم التفاعل