&~&حدائق ذات بهجة &~&

[اسيرة الصمت]

حدائق ذات بهجة
سوف نتجول هنا بحدائق ولا كن ليست كبقية الحدائق
سننتقل من حديقة إلى أخرى وفي كل حديقة سوف نقطف ثمره
الحديقة الأولى
الحياة قصيرة فلا تقصرها أكثر
بعض الناس عنده مقدرة عجيبة في تكدير خاطره ، وجلب الهم والغم لنفسه ويجيد فن الخيالات الفاسدة لذهنه ، فكم يصفو له من هذه الحياة إذا كان دائماً يتذكر الماضي بآلامه، ويتوقع حوادث المستقبل ، وتمرضه كلمة مؤذية سمعها من حاسد ، ويحقد على كثير غمطوه حقه ، ويغضب على زوجته المسرفة ويثور على ابنه لمخالفته أمره ، ويحزن على مال سبق أن فقده ، وهو خائف لأنه يظن أن مرضاً ما سوف يصيبه ، ويستمر في جمع هذه القائمة من المصائب والأحزان.
فيا من أراد السعادة والراحة لا تقصر حياتك فهي قصيرة أصلاً ، عش في حدود يومك ، ولا تبك على مافات ، واترك المستقبل حتى يأتي ، ولا تلقٍ بالاً لكلام الحساد ، وتوكل على الله ، فهو حسبك ، وكفى هموماً وغموماً وأحزاناً.

الحديقة الثانية
أحذرك سوف
أعرف كثيراً من الناس يحبون كلمة : سوف . فدائماً آمالهم بعيدة ، وكلما طلبت منهم شيئاً أو أرشدتهم لعمل ، أو دعوتهم لفضل أجابوكم بسوف . وهذه كلمة الخذلان والندم والخسارة.
تقول له ابدأ في حفظ القرآن، فيقول لك: سوف أحفظه ولكن عندي بعض الأمور سوف أنهيها.
كأن الدهر ضمن له الدوام، وكأن الليالي أعطته عهداً بالبقاء.

فيا من أشغلته سوف عن العمل ، وعلقته بالأمل ، أنذرك وأحذرك من هذه الكلمة ، فإنها أنشودة الفاشلين وشعار الخاسرين ، ونغمة الكسالى ، وعذر البطالين .

الحديقة الثالثة
الواجب عليك اتجاه ربك
الله جل في علاه إذا أذنبت فاستغفرت غفر لك ، وإذا شكرته زادك ، وإذا سألته أعطاك ، وإذا أخطأت سترك.
وإذا عدت إليه قبلك، وإذا تبت فرح بتوبتك، وإذا ذكرته ذكرك، وإذا ابتلاك محصك، وإذا أصابك طهرك.

فمالواجب عليك؟؟
فواجب عليك إخلاص العمل له ، وصدق السر معه ، ولزوم باب العبودية والانطراح على عتبة الذل له، ومناشدته آناء الليل وأطراف النهار ، واللهج بذكره ودوام شكره والاعتراف بالتقصير معه ، والنعمة منه وحفظ حدوده ، من كل مايسخطه ، والتبرؤ من الحول والقوة إلا به ، والاعتزاز بنسبة العبودية إليه ، والحب والبغض فيه ، والتوكل عليه ، وتفويض الأمر إليه ، وإدمان اللهج بتوحيده ومدائحه وحمده ، وانتظار الفرج منه ، وحسن الظن به.

الحديقة الرابعة
فبذلك فليفرحوا

لا تفرح بالمنصب ... فإن ضريبته جهد، وعرق، وتنازل، وعناء، ومداراة.

لاتفرح بالمال ... فحلاله حساب ، وحرامه عقاب.

لا تفرح بالأصحاب ... فهم إخوان الرخاء ، أصدقاء العلانية ، أعداء السر.

لا تفرح بالدور ولا القصور.... فإنها مسكن أيام ، ودار أحلام ، وطيف عابر، وسراب بقيعة.

لكن افرح بتمريغ الجبين على الطين لرب العالمين ، واسكب الدموع في خشوع إذا تذكرت المآب والرجوع . وتلاوة القرآن، والتلذذ بكلام الرحمن، والمسارعة للصف الأول في الوقت الأول.

الشبع والسمنة والقوة والجمال والمتعة والراحة.... متاع زائل، إذا لم تكن عوناً على الطاعة فهي أسباب للردى وطرق إلى الهلاك، وسلّم إلى الهاوية.
الحديقة الخامسة
بيتك بيتك
أكثر الناس اهتموا بالناس أكثر من أهلهم وأولادهم ، فتجد المربي يعكف على أبناء الناس تربية وتعليماً وتثقيفاً وقد نسي أبناءه ، وتجد الواعظ من مسجد إلى مسجد ، ومن حلقة إلى حلقة ، وقد غفل عن بيته ، وإنما الواجب أن تبدأ بالأقرب فالأقرب: { يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } فيا أيها العاقل صاحب أبناءك واجلس معهم الوقت الطويل وعلمهم وعش معهم وربهم ، فإنه يقبح بالرجل تفقد الناس وقد أهمل نفسه وبيته { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } .
الحديقة السادسة
خاطرة
إنما جعل بين الصلوات الخمس أوقات وفصل بينها بأزمان لترتاح النفس ، وتستعيد نشاطها وقوتها ، ثم تقبل على العبادة بنهم ورغبة وشوق ، وهذه عبرة للعبد في أموره ، فينبغي أن لا يجهد نفسه ، ويواصل العمل طيلة الوقت فتنقطع به ، وتمل العبادة ، وتكره الطاعة بل ينبغي له أن يكون ماهراً في قيادة نفسه ، لطيفاً معها ، حتى يحيا حياةً طيبة مع طاعة مولاه ، وكان بعض العباد يرتاح من الأوراد في بعض الوقت ، ليتقوى على أوراده فتكون الراحة في حقه عبادة.
الحديقة السابعة
شتان بينهما
الألقاب العملية خير لك من الألقاب العلمية في الدنيا والآخرة، فإن قيل عنك صادق خير من قولهم حافظ، وإن قيل أمين خير من قولهم دكتور، وإن قيل متهجد خير من قولهم واسع الإطلاع، لأن العمل حقيقة، والعم صورة وشتان بينهم.
الحديقة الثامنة
مثل حكمة
في مثل عند الألمان يقول : السعيد من ينسى مالا سبيل إلى تغييره .
فالشيء الذي وقع وانتهى ليس هناك أجمل من تناسيه، وطرحه من الذهن، وعدم ذكره والتحدث عنه، فهذه من السعادة، ورباطة الجأش.
الحديقة التاسعة
من أعظم المصائب
من أعظم المصائب ومن أجل الرزايا ترك العمل بالعلم, والازدياد من حجج الله والتكثر من البراهين والأدلة لتعظم صفقة الخسارة وتكبر المصيبة ، وإلا فما معنى ترك العمل والحرص على العلم!! ولا يغتر مغتر بسهولة محفوظه وكثر معلوماته مع تعطله من العمل، إن هذا من الكر المبطن والوأد الخفي لنور العلم وبركته ونفعه ، ونعوذ بالله من نقض الميثاق
الحديقة العاشرة والأخيرة
التشاؤم
التشاؤم هو : النظر إلى الكون بكره ، والتطلع إلى الدنيا بمقت ، فالمتشائم يرى كل شيء أسود ، الزهرة عنده شوك ، والسنبلة قنبلة، والنخلة حنظله، والمطر نار .
المتشائم معقود الجبين ، كالح الوجه، ضيق الصدر، فليس عنده أمل ولا رجاء ولا فرج ولا يسر ، فهو يرى أن الليل سوف يبقى ، والفقر سوف يستمر ، والجوع سوف يدوم، والمرض لن يقلع ، في قاموس المتشائم الموت والسقم والهلاك والفشل والإحباط والسقوط{ يحسبون كل صيحة عليهم}

المتشائم يموت كل يوم مرات، ويجوع وهو شبعان، ويفقر وهو غني، لأنه أطاع الشيطان: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء }.
انتهينا من التجول بتلك الحدائق
أتمنى أن تكونوا استمتعتم واستفدتم بما يوجد في تلك الحدائق
اللهم وفقنا لكل مافيه خير وصلاح لديننا ودنيانا