شارع التحلية ..قليل من التسلية كثير من التسكع والتفحيط !!

[رحااال]

عندما تكون مقيماً في أي مدينة في العالم لن تحتار كيف ستقضي يوم إجازتك الأسبوعية وإلى أين ستذهب، فهناك ألف خيار واختيار.كل الأبواب مفتوحةعلى مصراعيها امامك وكل أمانيك تتحقق بسهولة، وكل المقاهي والمنتزهات والأسواق تفتح لك ذراعيها . ولكن ماذا ستفعل إذا كنت مقيماً في (الرياض)؟ فإلى أين ستذهب وأين ستقضي إجازتك؟
بطبيعة الحال لن تستيقظ باكراً صبيحة يوم العطلة، فلن تتزحزح من سريرك قبل صلاة العصر، فحتماً تكون قد أمضيت الليل بطوله تقلب القنوات الفضائية المشفرة والمفتوحة متنقلاً عبرها من فيديو كليب إلى آخر.. مستمتعاً بهزات خصر فتاة ما انتقلت من مهنة عرض الأزياء إلى عرض الأجساد.. أحياناً تقلب وتقلب دون أن تستقر على قناة واحدة..على كل حال لن يمر وقت طويل على نهوضك إلا وتجد الملل بدأ يتسرب إليك.. طبعاً ستبدأ بمحاولات التصدي له، كيف لا وكلك نشاط وحيوية، وامتلاك طاقة الشاب الطموح وترغب في الاستفادة من وقتك الثمين.. لا حل أمامك سوى الهروب من بين جدران منزلك.وعندما تصبح داخل سيارتك، تقف طويلاً متأملاً وتسأل نفسك: (إلى أين سأذهب؟) أولاً سيخطر في بالك أن تذهب إلى أحد الأسواق التجارية لتتسوق قليلاً وتتناول القهوة، فجأة تتعجب لحالك وتعدل عن هذه الفكرة قائلاً لنفسك: ألا تعلم بأن الأسواق التجارية هنا مخصصة للعوائل فقط ..خصوصاً يوم إجازتك؟؟ فتعود لتفكر ثانية بحل آخر، فيخطر ببالك الذهاب لأحد المنتجعات السياحية مثل منتجع القرية السياحي لمشاهدة المهرجانات السياحية والتحلي بأيام الصيف، ولكنك فجأة تنتبه لهذا الذنب الذي كنت ستقترفه، فتنهر نفسك وتؤنبها قائلاً: ألا تعلم بأن المنتجعات السياحية الموجودة في الرياض جميعها مخصصة للعوائل فقط كل أيام السنة؟ ثم تنظر بشفقة إلى حالك وتقول: إلى أين سأذهب وأقضي وقت فراغي؟.. وفجأة تلمع الفكرة الجهنمية في رأسك وتصرخ: وجدتها.. وجدتها.. شارع التحلية.. آه.

شارع " المفحطين "

شارع التحلية وما أدراك ما شارع التحلية.. إنه ليس مجرد شارع صمم وفقاً لدراسات دقيقة تنافس مثيلاتها في الدول المتقدمة، إنما هو أشبه ما يكون بمهرجان ليلي في أوسطه السيارات والدراجات النارية والمشاة، وعلى جانبيه زُرِعَتِ المقاهي والمطاعم ومحلات ملابس الأزياء الحديثة ليصبح معرضاً دولياً للسيارات من جميع الماركات والموديلات. هذه الصورة الأولية لشارع التحلية، لكن في زوايا مقاهيه الركنية وعلى أرصفته وخلف طاولاته وتحت رذاذ رشاشاته البخارية وبالقرب من نخيله المرصع بشعلات الإضاءة وحبال مضيئة.. تجد فيه جيلاً من الشباب الذي يرتشف القهوة التركية والعربية والأميركية والمشروبات الساخنة المبخرة والمعطرة بنكهات الشاهي والزهورات.
ولكن ما المميز في ذلك؟ لا شيء.. لأنه لا تكمن ميزة هذا الشارع في مكوناته، إنما في كونه مغناطيساً طبيعياً جاذباً للشباب سواء بمقاهيه المتعددة أو ممراته الجميلة، ولكن أكثر ما يجعله خيارك المفضل لقضاء يوم عطلتك فيه هو كونه تحول ًإلى ملتقى لأصحاب الهوايات الغريبة الصرعات والعجيبة.. هيا إلى شارع التحلية.. ولِمَ لا؟ فهو حلبة لسباق الفورمولا (تفحيط) يتنافس عليها كبار (المفحطين) في المملكة.

تقليعات وغرائب بقصد جذب الانتباه

يعد شارع التحلية الملاذ الأول والأخير لكثير من الشباب في الرياض وذلك لعدة عوامل أهمها ان الكثير من المنتزهات والملاهي على مستوى الرياض بصفة خاصة أصبحت شبه محتكرة للأسر والعوائل.فأصبح هذا الشارع المتنفس الوحيد لهم ليعبروا من خلاله عن همومهم ومشاكلهم براحة تامة فيقضوا فيه معظم أوقاتهم المسائية بحرية مطلقة ودونما مضايقات تذكر. فنجد أن أصحاب الهوايات الغريبة يجوبون شارع التحلية وتتمثل غرائبه في شكل السيارة أو اصطحاب بعض الحيوانات المدللة. وتظهر على بعض الشباب من رواد شارع التحلية تقليعات وغرائب بقصد جذب الانتباه. فتجدهم يأتون إليه بسياراتهم الغريبة، فبعض منهم يأتي بألوان مميزة على السيارة والآخر يأتي بحيوانات مدللة والآخر يطلي وجهه بألوان متعددة.. وكل ذلك بغرض الترويح عن أنفسهم. ولعل أكثر المشاهد التي تشدك هي العروض البهلوانية التي يقوم بها الشباب بسياراتهم حيث يتنافسون على مركز (مفحط) رقم واحد، ولا تنحصر حفلة التفحيط على السيارات وحدها بل قد يفاجئك بهلوان ما يتفنن بامتطاء دراجته النارية وتسييرها على عجلة واحدة مستعرضاً مهارته القيادية وفحولته الرجولية قبل أن يفقد السيطرة على دراجته التي تطرحه أرضاً لتعلو الضحكات عليه الممزوجة مع هدير محركات السيارات وصفير عجلاتها، فتجد نفسك في ضوضاء وأصوات وضجيج قد يقتل مللك لبعض الوقت قبل أن تضجر من تلك المناظر وتنفر من تلك الأصوات وتفضل العودة إلى منزلك.
إن شارع التحلية هو خيارك لتمضية بعض الوقت فيه ولترّوح عن نفسك قليلاً وتفر من الملل والضجر، وهو متنفس وحيد للشباب الذين تثقل كاهلهم المحظورات، فيجدون في دواسة البنزين منفذ يسربون منه صرخاتهم الغاضبة بصوت مخفوت، ويجدون في صفير عجلات سياراتهم لغة هيروغليفية يكلمونها دون أن يدركها واضعو قائمة المحظورات، رغم أنهم يفهمون طلاسمها جيداً ويدركون معانيها بدقة.. فكل صرخة عجلة تقول لهم: متى سنجد مراكز ترفيهية معتبرة ومخصصة تستوعب إمكانات الشباب وطاقاتهم وتلبي طموحاتهم وتطلعاتهم؟ متى ستخف وطأة المحظورات التي أدت إلى خلق نوع من الشباب ليس أمامه شيء في أوقات فراغه سوى اللف والدوران في الشوارع من دون فائدة تذكر سوى تضييع الوقت؟
قد يكون شارع التحلية هو ملاذك الأخير لتمضية يوم عطلتك الأسبوعية، ولكنك لن تستطيع البقاء فيه أكثر من ساعتين لتعود بعدها إلى منزلك وتقبع أمام شاشة التلفاز مقلباً القنوات باحثاً بين الكليبات عن شيء ما لا تعرفه ولا تريد أن تعرف ما هو!.