الإنسان بطبيعته مخلوق ضعيف... ضعيف أمام الأحداث وأمام الأمراض وأمام شيطانه وأمام من هو أقوى منه من البشر.. لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.. يحتاج إلى قوة يستند إليها. ومن فضل الله علينا أن جعل الله لنا عبادة نتصل به من خلالها، نتكلم معه، نشكو إليه، ونستمد من قوته لضعفنا ومن غناه لفقرنا.. إنها عبادة الصلاة.
عن ابن عباس –رضي الله عنه- أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها".. قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين".. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله".
إنها أحب الأعمال على الإطلاق إلى الله رب العالمين.. ما أكرمك يارب إذ سهلت علينا أحب الأعمال إليك فجعلتها خمس صلوات فقط.
الجميع يعلم أن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء فيقص علينا الرسول في رحلته إلى السماء ليلة الإسراء المعراج قائلا: "ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة. فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة.
قال: ارجع إلى ربك. فاسأله التخفيف. فإن أمتك لا يطيقون ذلك. فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال، فرجعت إلى ربي
فقلت: يا رب! خفف على أمتي. فحَطّ عني خمسا. فرجعت إلى موسى
فقلت: حَطَّ عني خمسا.
قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.
قال، فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام
حتى قال: يا محمد! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة. لكل صلاة عشر. فذلك خمسون صلاة. ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا. فإن عملها كتبت سيئة واحدة.
قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته.
فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه".
إنه ثواب لو علمناه ما أخرنا صلاة أو أضعناها أبداً، وما تهاونا أبداً في محاولة الخشوع.. لقد أمرنا الله بإقامة الصلاة والإقامة هي التحسين والإتقان فقال -سبحانه وتعالى- "وأقيموا الصلاة".
ثم اسمع رسولك الكريم -صلى الله عليه وسلم- يتكلم عن ثواب هذه الصلوات واستحضر معي كل هذا الثواب عند سماعك للأذان حتى تقوم مسرعاً لربك وثواب ربك.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث أبي هريرة: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه من شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء فقال: فذلك مثل الصوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا". (الدرن: تراب الجسد مختلط بالعرق).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر".
فإذا صلى أحدنا الظهر مثلاً ثم ارتكب بعض الصغائر ثم صلى العصر كفر الله كل ذنوبه التي بين الصلاتين.. وهذا ليس تشجيعاً على الذنوب ولكنه إظهار لمدى فضل الصلاة على بني آدم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتوضأ عبد فيحسن الوضوء ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينها وبين الصلاة التى تليها".
إنها مغفرة مقدمة.. الله أكبر.. ما هذا الفضل الكبير؟ إذن كيف تركنا الصلاة يوماً أو كيف أخرناها عن وقتها؟ سامحنا يا الله..
وفي الحديث أيضا: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة".
إذن لقد ضمنت الجنة يا من تصلي بوعد ربك، أما من لم يصلِ فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. فلا تضيع هذا العهد والوعد أبدا.
واقرأ معي هذا الحديث الذي يرغب كل مصلٍ في أن يثبت على صلاته ويرهب كل متكاسل من عاقبة تركه أو تأخيره للصلاة.. عن أنس بن مالك قال: "من صلى الصلوات لوقتها فأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها، خرجت وهي بيضاء مسفرة (فرحة) تقول: حفظك الله كما حفظتني، ومن صلى الصلاة لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها، ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق، ثم يضرب بها وجهه".
وبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- كل من صلى الفجر والعصر بالجنة فقال: "لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس (الفجر) وقبل غروبها (العصر).."
ما كل هذا الثواب الكبير؟
1- تكفير للذنوب.
2- عهد بدخول الجنة من ملك الملوك.
3- حماية من النار.
أبعد كل هذا مازال منا من لم يهتم بنداء الله وشغله يومه أو عمله أو لعبه؟ إنني أقول لهم ولكل من غلبه الشيطان في هذا الأمر: الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله فإن كنت تحبه فلا يجوز أبداً -يا أخي ويا أختي- أن تتأخر عليه إذا نادى عليك..
فإن قال قائل: "العمل عبادة"، أقول له: "صدقت، ولكن هناك أولويات في العبادة فالصلاة رقم واحد عند الله فاعبد ربك كما يحب هو وليس كما تحب أنت.. صلِ أولا ثم عد سريعاً إلى عملك واجتهد فيه لأنه لا بركة في رزق يلهي عن الصلاة. وقد توعد الله من أخر الصلاة إذ قال: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون". وقال العلماء: "ساهون" أي يؤخرونها إلى آخر وقتها. و"الويل" وادٍ في جهنم كله عقارب وثعابين والعياذ بالله.. وقال تعالى: "فخلق من بعدهم خلق أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً" و"أضاعوا الصلاة" يعني جمعوها آخر اليوم وأخروها عن وقتها، و"الغي" وادٍ ملتهب جداً في النار.
لماذا يا إخواني نضيع أنفسنا في كل هذا العذاب والندم وأمامنا الحل؟ إنه خمس صلوات فقط، كل صلاة تصلى في 10 دقائق فقط، ولها ثواب عظيم كما ذكرنا.. بالله عليكم كونوا جميعاً من أهل الصلاة على وقتها فهي أحب العبادات إلى الله.
ومن كان لا يصلي أقول له: هنيئا لك إذا تبت وبدأت تصلي إذ يبدل الله كل سيئاتك حسنات.. قال الله تعالى: "إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما".