|
31-12-2004, 02:56 PM | #10 |
(حلا نشِـط )
|
تــــــــــــابع
ترددت قليلا ثم قلت بحياء و بصوت منخفض و نبرة متوترة : " هل ... تحبين نوّار ؟ " دهشت دانه من سؤالي ، لذا حملقت بي وهلة ، ثم قالت : " ما هذا السؤال !؟ " ندمت لأنني طرحته ! إنه موضوع حساس لم أجرؤ من قبل على التحدث فيه مع أي كان ... و لما لحظت دانه تراجعي الخجل ، قالت : " نعم أحبه ! إنه شريك حياتي ... ! نصفي الآخر ! " صمت قليلا ثم سألت : " إذن ... كيف تشعرين حين يكون معك ؟؟ " أنا بنفسي لاحظت ذلك ... رغم المساحيق التي تغطي وجهها ألا أن اللون الأحمر المتوهج طلى وجهها و هي تجيب على سؤالي : " أشعر ... ؟؟ ... بالحرارة ! " و أشارت إلى قلبها بيديها كلتيهما ... الحرارة ... في صدري و جسمي كله ، هي شعور لم أحس به في حياتي ... إلا عندما اقتربت من شخص واحد فقط ... هو وليد ... " وليد ! هل فقدت صوابك !!؟؟ قال سيف و هو فاغر فاه لأقصى حد من هول المفاجأة ... لقد أخبرته بخبر فعلتي الجنونية الأخيرة ... " نعم يا سيف ! استقلت و انتهى الأمر " أخذ يهز رأسه و يضرب يدا بالأخرى من الغيظ و الأسف ... " أرجوك يا سيف ... قضي الأمر ... لم أكن لأستطيع الاستمرار و الجميع ينظر إلي و يعاملني بهذا الشكل ... يحتقرونني و يتحاشون الاقتراب مني و كأنني وباء خطير " " و ما لك و لهم ؟ وليد ! لم يكن الحصول على هذه الوظيفة بالأمر السهل ... لقد تسرعت " استدرت بغضب ، و قلا بانفعال : " فليذهبوا بوظيفتهم للجحيم " أعرف أن العثور على عمل هو من أكثر الأمور صعوبة في الوقت الحالي ، لكنني ضقت ذرعا بالهمزات و اللمزات التي يرمي بها الآخرون علي بقسوة ، لكوني قاتل و خريج سجون ... كما و أنني سمعت بعضهم يذكر صديقي سيف بالسوء بسبب علاقته الوطيدة معي ... بقائي في العمل بشركته صار يهدد سمعته هو ... و أنا لم أكن لأرضى عليه بأي أذية ... أليس هو الباقي لي من الدنيا ؟؟ تلا هذا صمت مغدق ... سيف استاء كثيرا جدا من إقدامي على هذه الخطوة التي وصفها بالتهور ... ألا أنني كنت أراها حلا لابد منه قال : " ما أنت فاعل الآن ؟؟ " ابتسمت ابتسامة سخرية ... " أفتش من جيديد " نعم ... عدنا للصفر ! لو أنني أتممت دراستي ، مثلك يا سيف ، لكنت الآن ... رجلا محترما مهابا ... أتولى إدارة إحدى الشركات كما كنت أحلم منذ الصغر ... و فشلي في تحقيق أي من أحلامي ، هو أمر لا يجب أن تتحمل أنت مسؤولياته ، أو ينالك سوء بسبب علاقتك بي سيف كان قلق ... أردت أن أغير الموضوع ، فقلت : " اخبرني ... ما النبأ الجميل الذي تحمله ؟؟ " و كان سيف قد أبلغني بأن لديه خبر جميل ، عندما وصل إلى بيتي قبل دقائق ! سيف قال : " لقد ... عزمت على إتمام نصف الدين ! " فاجأني الخبر ، و أسرني كثيرا ، فأمطرت صديقي بالتهاني القلبية ! إنه أول خبر سعيد أسمعه منذ شهور ... " أخيرا يا رجل ! فليبارك الله لك ! " " شكرا أيها العزيز ... العقبة لك ! متى يحين دورك ؟؟ " دوري أنا ! إن مثل هذا الموضوع لم يكن ليخطر على بالي ! و هل يفكر في الزواج رجل خرج من السجن قبل شهور ، و بالكاد بدأ يتنفس الهواء ... و كان و عاد عاطلا عن العمل ! ... و فوق كل هذا ... ذو جرح لم يبرأ بعد ... قلت : " قد تمضي سنوات و سنوات قبل أن تعبر الفكرة على رأسي مجرد العبور ! " " لم يا رجل !؟ إننا في السابعة و العشرين ! وقت مناسب جدا ! " قلت : " لأجد ما يعيلني أولا ! كيف لي أن أتحمل مسؤولية زوجة و أطفال ! " قال سيف : " إنك تحب الأطفال يا وليد ! ألست كذلك ؟ " " بلى ! ... " " ستكون أبا عطوفا جدا ! " و ضحكنا يمكنني أن أضحك بين حلقات سلسة همومي التي مذ بدأت لم تنته ... قضيت أسابيع أفتش عن عمل ... و فشلت حتى أقاربي الذين لجأت إليهم طالبا الدعم ، خذلوني لو كان سبب دخولي السجن شيء آخر ، لربما عاملني الناس بطريقة أفضل ... كرهت الدنيا و كرهت نفسي و كرهت كل شيء من حولي ... و بدأت نقودي التي جمعتها خلال الأشهر الماضية تنفذ ... و أعود للفقر من جديد ... كنت جالسا في حديقة المنزل الميتة ... أدخن السيجارة تلو الأخرى ... غارقا في التفكير و الهموم ... كانت الأرض أمامي قاحلة ... لا زرع فيها و لا حياة ... تماما مثل حياتي ... تزوج صديقي سيف بعد 3 أشهر خطوبة ... و ينعم الآن بحياة جديدة ، و يتولى مسؤوليات أكبر ... و لم يعد متفرغا لي ... حصلت على عمل بسيط جدا في أحد المحلات التجارية ... ألا أنني لم استمر فيه بسبب المشاكل التي واجهتني ، لكوني موصوم بالإجرام و القتل ... أصبحت بإحباط شديد ... و أنا افقد القليل الذي كنت قد حصلت عليه ... و ضاقت بي الدنيا ... كما و داهمني الإعياء و المرض ... فقررت الهروب من مدينتي إلى مكان ألقى فيه شيء من الاحترام و المودة بعيدا عن السمعة المجروحة ... إلى حيث يوجد من يحبني و يرغب بوجودي و يتقبلني على ما أنا عليه من عيوب و وصم عار ... إلى أهلي .. كانت شهور عشرة قد انقضت منذ رحلت عنهم ... كلما اتصلوا بي أو اتصلت بهم ، أخبرتهم بأنني في أحسن حال ، بينما أنا في أسوئه انفث الدخان السام من صدري ... و أفكر ... أ أعود إليهم ؟؟ أم لمن ألجأ ؟؟ أتخيل نفسي بينهم من جديد ... فتظهر صورة رغد لتحتل منطقة الخيال من رأسي ... فأبعدها و أبعد الفكرة ... " لا ... لن أعود " و أرمي بالسيجارة على الأرض ، و أدوسها بحذائي فتندفن تحت الرمال ... إلى جانب شقيقاتها ... في قبور متجاورة و مزدحمة ... لماذا لا أموت أنا مثلها ؟؟ إلى متى أستمر في تدخين هذه الأشياء القذرة ؟؟ ألا يكفي السجن أن لوث سمعتي و ضيع مستقبلي ؟ أ أترك دروسه و مخلفاته تلوث صدري و تفسد صحتي ؟؟ أتذكر قول نديم لي ... لا تدع السجن يفسدك يا وليد ... هل أنا شخص فاسد الآن ؟؟ نديم ... ليتك معي الآن ... فجأة ... تذكرت شيئا غاب عن مذكرتي تماما ! يوم وفاته ، نديم أوصاني بشيء ... طلب مني أن أزور عائلته و أطمئن عليهم ! وقفت منفعلا ... يا للأيام ! لم يخطر هذا الأمر ببالي من ذي قبل ... و كيف له أن يجد فرصة للظهور فيما يحتل تفكيري أمور أخرى ... ربما وفاءا لذكرى صديق عزيز لطالما كان يدعمني في أسوأ أيام حياتي ... أو ربما كان فراغا طويلا لم أجد معه ما أفعله أو حتى هروبا من هذه المدينة و سمعتي المنحطة فيها أيا كان الدافع ، فقد قررت يومها زيارة عائلة نديم ! نديم أخبرني بأنه يملك مزرعة في المدينة الشمالية ، و هذه المدينة بعيدة عن مدينتي و هي أقرب إلى المدينة الصناعية حيث يعيش أهلي ... جمعت كل ما أحتاجه و ما قد أحتاجه ، و عزمت الرحيل ... الهدف لم يكن زيارة عائلة نديم تنفيذا لوصيته التي ماتت يوم وفاته ، بقدر ما كان الفرار من الفشل الذريع الذي أعيشه في هذه المدينة الآن أدرك لم قرر والدي الرحيل ، و لم لا يفكر في العودة لا بد أنه تعرض لمثل ما تعرضت له ... بسبب جريمتي النكراء ... ذهبت لزيارة سيف في مسكنه الجديد ، و أبلغته أنني راحل ... كان وداعنا مؤلما ألا أنه قال : " في أي وقت ... و كل وقت ... تشعر بأي حاجة لأي شيء ، تذكر أنني موجود " و دفع إلي مبلغا من المال قبلته على شرط أن أرده له في أقرب فرصة ... و لا أعلم كم تبلغ المسافة بيني و بين هذه الفرصة ! أقفلت أبواب المنزل الكئيب ... و تركت الذكريات القديمة سجينة ... تغط في سبات أبدي ... بما فيها صندوق الأماني المخنوق ، و الملقى بلا اهتمام عند إحدى زوايا الغرفة إن كتب لي أن أعود يوما ... فسأفكر في فتحه ! انطلقت مستعينا بالله و متوكلا عليه ... متجها إلى المدينة الشمالية ... لم أكن قد زرتها في حياتي من قبل ، ألا أنني أعرف أن الطريق إلى المدينة الصناعية يؤدي إليها ، و أنها لا تبعد عن الأخيرة إلا قليلا وصلت إلى المدينة الصناعية ... و شوقي سحبني نحو بيت عائلتي سحبا ... كيف لي أن أعبر من هنا ... ثم لا أمر لألقي و لو نظرة عابرة على أهلي ..؟؟ كان الوقت عصرا ... أوقفت سيارتي إلى جانب سيارة أبي ، و السيارة الأخرى التي تبدو جديدة و آخر طراز ! مؤخرا صار سامر يأتي إلينا مرة واحدة في الشهر ... أصبح يعمل عملا مضاعفا و قلت حتى اتصالاته ! و حين جاء البارحة ، طلبت منه أن يصطحبني إلى الشاطئ هذا اليوم ! طبعا سامر فرح كثيرا بهذا الطلب ... و أنا كنت أريد أن أرفه عن نفسي و أقلد دانه ! إنها دائما تشعرني بأنني لا أصلح امرأة ! الجميع من حولي يعاملونني على أنني لا أزال طفلة ! إنني الآن في الثامنة عشر من العمر ... و أحس بأنني خلال الأشهر الماضية كبرت كثيرا ! لقد بدأت استخدم المساحيق بكثرة مثلها ، و أشتري الكثير من الحلي و الملابس... بالرغم من أنني لا أجهز للزفاف مثلها ! فكرة الزواج الآن لم أقتنع بها ... و لسوف أنتظر حتى أنهي دراستي و أكتسب صفات المرأة التي تعرف كيف تحب و تدلل شريك حياتها ! أليس هذا هو المطلوب ؟؟ " هيا رغد ! الوقت يمضي ! " سامر يناديني ، و هو يقف خلف الباب ، ينتظر خروجي ... أجبت و أنا ارتدي شرابي ثم حذائي الجديد ذا الكعب العالي ، على عجل : " قادمة ... لحظة " و في ثوان كنت أفتح الباب ... حين صرت أمامه راح يحدق بي باستغراب ، ثم قاد بصره إلى حذائي ! " رغد ! لقد طلت بسرعة ! لم تكوني هكذا البارحة ! " ابتسمت و قلت و أنا أظهر حذائي الطويل من خلف عباءتي : " إنها الموضة ! " سامر ضحك و قال : " و لكن يا عزيزتي هل ستسيرين بحذاء هكذا على الشاطئ ؟؟ " " لا يهم ! أنا أريد أن أظهر أطول قليلا حتى لا يظنني الناس طفلة ! " " كما تشائين ! هيا بنا " و خرجنا ، و مررنا بالمطبخ حيث وضعت سلة صغيرة تحتوي بعض الحاجيات فحملها سامر و هممنا بالانصراف .... و إذا بدانة تقول : " هل آتي معكما ؟؟ " أنا و سامر تبادلنا النظرات ... طماعة ! ألا يكفيها أنها تخرج مع خطيبها كل يوم فيما أنا جالسة وحيدة في المنزل ؟؟ قلت : " لا ! إنها رحلة خاصة ! " سامر ابتسم بخجل ، و دانه نظرت إلي من طرف عينها مع ابتسامة خبيثة أعرفها جيدا ... و أعرف ما تعنيه منها ! تجاهلتها و سرت مبتعدة ... " انتبهي لئلا تنزلقي زرافتي ! " و أخذت تضحك ! قلت بحنق : " ليس من شأنك " و خرجت مسرعة .... دانه تتعمد التعليق على أي شيء يخصني ... و دائما تعليقها عنه يوحي بعدم رضاها أو سخريتها منه ! ألا أنها تشعر بالغيرة من طولي الذي يسمح لي بارتداء أحذية كهذه ، و هي محرومة منها ! خرجنا على الفناء الخارجي و سامر يبتسم بسرور ! حتى و إن كانت نظارته السوداء الكبيرة تخفي عينيه ... كنت أعرف أنه يحدق بي ! اعتقد أنه سعيد جدا ... السعادة المميزة ... التي لم أذق لها أنا طعما حتى الآن ... فيما نحن نقترب من الباب ، قرع الجرس ! تقدم سامر و فتحه ... و توقفت الكرة الأرضية عن الدوران ! اعتقد أن شهابا قد ارتطم بها ... هنا خلف هذا الباب ! شعور مفاجئ ... و اصطدام مجلجل ... و حرارة محرقة شاوية ... و حمم ... و ضباب ... و اختناق ... و ارتجاف ... و عرق ... و ذهول ... كلها مجتمعه انبثقت فجأة من عند الباب و اجتاحتني ... هل أصدق عيني ! ؟ ~~~~~~~~~~ |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هذي حياتي | NOOR ELHOODA | الإرشيف الأدبــي | 14 | 15-03-2006 05:37 AM |
هذه حياتي | هلوول | مجلس حلا لعذب الكلام | 9 | 03-01-2006 10:11 AM |
قصة حياتي / قصيدة | وردة الحب | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 12 | 26-10-2005 06:50 PM |
أمنية حياتي | dark angel | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 4 | 10-04-2005 03:30 AM |
هذه حياتي | حلاه الكون | مجلس حلا لعذب الكلام | 4 | 28-01-2005 06:30 PM |