|
04-01-2005, 11:58 AM | #10 |
(حلا نشِـط )
|
تــــــــــــــابع
عادت دانة و رغد بعد قليل تحملان الكعكة و كؤوس العصير ... و قامتا بتوزيعها علينا جميعا ... الذي آلمني هو أنها ـ أي صغيرتي رغد ـ كانت تعاملني بنفور شديد ... حتى أنها حين جاء دوري لأخذ كأس عصيري لم تدع لي المجال لأخذه ، بل أمسكت هي به و وضعته على المنضدة الماثلة أمامي بسرعة كادت تدلق محتوياته فوقها ! كانت الكعكة لذيذة جدا ... قلت : " ما ألذها ! سلمت يداك يا دانة ! أنت ماهرة " قالت دانة بزهو : " شكرا يا أخي ، سترى ! سأذيقك أصنافا لذيذة من الحلويات فأنا ماهرة في إعدادها ! " قلت : " عظيم ! فأنا أحب الحلويات ! " و التفت نحو رغد و قلت : " و أنت ؟؟ " رغد رفعت بصرها عن قطعة الكعك التي بين يديها ببطء ، و نظرت إلي بنفاذ صبر و قالت : " أنا لا أحب الحلويات " قلت : " أقصد ماذا ستذيقيننا من صنع يدك ؟؟" لم يبد على رغد أنها تريد تباديل الأحاديث معي ... قالت بضجر : " لا شيء ... " قالت دانة : " إنها كسولة ! لا تحب الطهو و لا تجيده ! لا أعرف كيف ستتولى مسؤولية بيتها المستقبلي ! مسكين سامر ! " ضحك سامر و قال : " سأعود لأمي كلما قرصني الجوع ! " و أخذ الجميع يضحكون عدانا أنا و هي ... قالت دانة و هي تضحك : " أو صبّر معدتك بالبطاطا المقلية المقرمشة ! " و استمروا في الضحك بمرح ... رغد وقفت الآن بغضب و قالت : " أنتم تسخرون مني " الجميع توقف عن الضحك ، و نظروا إليها باهتمام ... كانت منفعلة ... قال سامر : " لا عزيزتي نحن نمزح فقط ! " قالت : " بل تسخرون مني " و توجم وجهها بما يوحي بدموع على وشك الانهمار ... وقفت أنا و قلت : " معذرة ... صغيرتي " التفتت رغد نحوي بعصبية و قالت بحدة : " أنت أسكت ... آخر من يُسمح له بالكلام " صعقت بهذا الرد الجارح و علاني الصمت العميق ... الجو صار مشحونا بتيارات متعارضة متضاربة ، و النظرات أخذت تصطدم ببعضها محدثا فرقعة ! و الآن ؟؟ خرجت رغد مسرعة من الغرفة في غضب و استياء ... بقينا بعد خروجها بعض الوقت صامتين منصتين لفرقعة نظراتنا الحائرة ! وقف سامر هاما باللحاق بها ، ألا أن أمي طلبت منه أن يلتزم مكانه ... " دعوها فهي اليوم في مزاج شديد التعكر " قالت هذا أمي ، فعقبت دانة : " اليوم فقط ؟؟ بل كل يوم ! لا أدري ما ذا جرى لهذه الفتاة مؤخرا ! " كنت أنا لا أزال واقفا أنظر ناحية الباب ... قالت أمي : " اجلس بني ! " فجلست على طرف المعقد مشدود العضلات ... على أهبة النهوض ! تنهد أبي و قال أبي : " أمرها يقلقني " قالت أمي : " و أنا كذلك ، لست ُ مطمئنة للسفر و تركها ! " قالت دانة : " خذاها معكما ! أنا لا أطيق تصرفاتها هذه ! " أبي التفت إلي و قال : " احرص في التعامل معها ... كن حليما ... " قالت دانة : " إنها لا تزال غاضبة منك ! كان الله في عونك على مراسها هذا ! " بعد قليل آن أوان مغادرة والدي و سامر ، الذي سينقلهما إلى المطار ثم يذهب إلى شقته في المدينة الأخرى ... أخذت أحمل الحقائب و أنقلها إلى سيارة أخي ، و عندما انتهيت من وضع الحقيبة الأخيرة و دخلت المنزل وجدت والدتي تقف عند الباب الداخلي ... قالت : " أعطاك الله العافية يا بني " " عافاك الله أماه " هممت بالدخول ألا أن أمي أمسكت بذراعي و استوقفتني ... " وليد " نظرت إليها بحيرة ... قلت : " نعم أمي ؟؟ " أمي تحدثت بصوت منخفض ، و بنبرة جدية ... و تعبيرات قلقة ، قالت : " انتبه لرغد جيدا يا بني " تعجبت ! قلت : " بالطبع أمي ! " أمي بدا المزيد من القلق جليا على وجهها و قالت : " كنا سنؤجل حجنا للعام التالي لكن ... كتبه الله لنا هذا العام ... هكذا قضت الظروف يا بني " و هذا زادني حيرة ! قالت : " لو أن الظروف سارت على غير ذلك ... لكانت الأوضاع مختلفة الآن ... لكنه قضاء الله يا ولدي ... سأدعوه في بيته العظيم بأن يعوّضك خيرا مما فاتك ... فلنحمده على ما قسم و أعطى " قلت : " الـ ... حمد لله على كل شيء ... أمي أنت ِ تلمحين لشيء معين ؟؟ " قالت : " لم تتغير هي عمّا تركتها عليه قبل سنين ... كما لم تتغير أنت ... " ثم أضافت : " ألا أن الظروف هي التي تغيرت ... و أصبح لكل منكما طريقه ... " توهج وجهي منفعلا مع كلمات أمي و الحقيقة الصارخة أمامي ... لم أستطع البنس ببنت شفة أمام نظرات أمي التي كشفت بواطن نفسي ... قالت : " اعتن بها كما يعتني أي شقيق بشقيقته ... كما تعتني بدانة ، و ادع معي الله أن يسعدهم هم الثلاثة ، و أنت معهم " في هذه اللحظة فتح الباب و ظهر بقية أفراد عائلتي بما فيهم رغد ، و خرجوا واحدا تلو الآخر ... و اجتمعنا قرب بعضنا البعض في وداع مؤلم جدا ... بالنسبة لي ، فقد اعتدت فراق أحبتي و جمدت عيناي عن أي دموع أما البقية فقد كانت الدموع تغرق مشاعرهم ... كلمات أمي ... و كلمات أبي كذلك و توصيتهما الشديدة على الفتاتين و خصوصا رغد ، جعلتني أشعر بالخوف ... فهل أنا أهل لتحمل مسؤولية هذا البيت و من به في حين غياب والدي ّ ؟؟ و هل هي مسؤولية خطرة تقتضي منهما كل هذه التوصيات و التنبيهات ؟؟ خرج الثلاثة ، فعدنا نحن الثلاثة إلى الداخل ... و قضيت وقتا لا بأس أراقب دموع الفتاتين ... كنا نجلس في غرفة المعيشة ... و الحزن يخيم على الأجواء فشعرت بالضيق قمت بتشغيل التلفاز فرأيت مشهدا مريعا لآثار قصف تعرضت له إحدى المدن هذا اليوم ... فزاد ذلك ضيقي ... كم كنت مرتاحا هانئا في مزرعة نديم ! ليتني أعود إلى هناك ! قلت ـ في محاولة لتغيير الأجواء و طرد الكآبة ـ " ما رأيكما بالذهاب في نزهة بالسيارة ؟؟ " دانة تفهمت و قدّرت الأمر ، فقالت : " نعم يا ليت ! هيا بنا " نظرت إلى رغد أنتظر جوابها ، لكنها ظلت صامتة ... قلت : " ما رأيك ؟ " قالت بصوت حاد و نبرة جافة مزعجة : " لا أريد الذهاب لأي مكان " دانة قالت : " إذن سنذهب و أنت ابقي هنا " رغد بسرعة التفتت إلى دانة و قالت : " تتركاني وحدي ؟؟ " قالت دانة : " ما نصنع معك ؟؟ أنا بحاجة لبعض الهواء المنعش ... أما أن تأتي معنا أو ابقي مخنوقة وحدك " وقفت رغد منفعلة و قالت : " كان علي ّ أن أذهب معهما ... كم كنت غبية ... ليتني ألحق بهما الآن " وقفت أنا و حاولت تهدئة الوضع فقلت : " لا بأس ... سنؤجل نزهتنا لوقت لاحق ... لا تنزعجي هكذا صغيرتي " رغد التفتت نحوي بعصبية و قالت صارخة : " لا شأن لك أنت بي ... مفهوم ؟؟ لا تظن أنك أصبحت مسؤولا عني ... لا تزعج نفسك في تمثيل دور المعتني فهذا لم يعد يناسبك ... يا كذّاب " اللهم استعنا بك على الشقاء ! ذهبت الصغيرة الغاضبة إلى غرفتها ... و بقيت مع دانة التي بدت مستاءة جدا من تصرف رغد ... اقترحت عليها بعد ذلك الجلوس في الفناء الخارجي فرحبت بالفكرة خرجنا معا و جلسنا على المقاعد القريبة من الشجرة ... و بدأنا نتحدث عن أمور شتى ... أخبرت دانة عن مزرعة صديق لي قمت بزيارتها مؤخرا و أعجبتني ... و عن متفرقات من حياتي ... ألا أنني لم أشر إلى السجن ، و لا ما يتعلق به ... شقيقتي بدت متلهفة لمعرفة كل شيء عني ! و كأنها اكتشفت فجأة أن لديها شقيق يستحق الاهتمام و الفخر ! اعتقد أنها كانت تنظر إلي بإعجاب و فخر بالفعل ! بعد مدة حضرت رغد ... كانت عيناها حمراوين ... قالت : " دانة ، مكالمة لك " أجابت دانة : " من ؟؟ " قالت رغد : " من غيره ؟ خطيبك المبجل " دانة نهضت بسرور و استأذنت للدخول ... و لحقت بها رغد بعد ثوان ، و بقيت وحيدا إلى أن سمعت ُ الآذان يرفع ... دخلت ُ بعدها و استعددت للخروج لتأدية الصلاة في المسجد المجاور . كانت دانة في غرفتها أما رغد فأظنها في غرفة المعيشة ! خرجت إلى الفناء و فيما أنا أعبره نحو البوابة الخارجية سمعت صوت نافذة يفتح و نداء باسمي " وليد " التفت نحو الصوت فإذا بها رغد تطل من النافذة المشرفة على الفناء و تقول : " إلى أين تذهب ؟؟ " قلت : " إلى المسجد " قالت : " ستتركنا وحدنا ؟؟ " حرت في أمري ! قلت : " هل هناك مشكلة ؟؟ سأصلي و أعود فورا ... تعالي و أوصدي البابين ... " وافتني بعد قليل و وقفت عند البوابة و بيدها المفتاح . قالت : " لا تتأخر " قلت : " حسنا " و عندما عدت بعد أداء الصلاة كانت هي من فتح الباب لي ... قدّمت لي مفتاحين و قالت : " هذا لبوابة السور و هذا للباب الداخلي ، احتفظ بهما " " شكرا لك " تولت رغد قاصدة دخول المنزل فناديتها " رغد " التفتت إلي ، و قالت بنفس ضائقة : " نعم ؟؟ " قلت : " أما زلت ِ غاضبة مني ؟؟ كيف لي أن أكسب عفوك ؟؟ " قالت : " لا يفرق الأمر معي شيئا " و همّت بالانصراف ، قلت : " لكنه يفرق معي كثيرا " توقفت و قالت : " حقا ؟؟ " " نعم بالتأكيد ... " " هذا شأنك ... لا دخل لي به " و انصرفت ... الواضح أنني سألاقي وقتا عصيبا ... كان الله في عوني ... بعد ساعات ، أعدت دانة مائدة العشاء و لم تشاركنا رغد فيه ... لقد مضت الليلة الأولى من ليالي تولي ّ مسؤولية هذا المنزل على هذه الحال .. في الصباح التالي كنت أجلس مع دانة في المطبخ ، و رغد على ما يبدو لا تزال نائمة ... قلت : " أخبريني دانة ... كيف أقدم المساعدة ؟؟ فأنا أجهل الأمور المنزلية ! " ضحكت دانة و قالت : " لا تهتم ! أنا أستطيع تولي الأمور وحدي ! " " أرغب في المساعدة فأنا بلا شاغل ! أخبريني فقط بما علي فعله ! " و باشرت المساعدة في أعمال المنزل ! ليس الأمر سيئا كما قد يظنه البعض ، كما أنه ليس من تخصص النساء فقط ! كنت أرتب الأواني في أرففها الخاصة حين دخلت رغد إلى المطبخ ... ~~~~~~~~~~~~ |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هذي حياتي | NOOR ELHOODA | الإرشيف الأدبــي | 14 | 15-03-2006 05:37 AM |
هذه حياتي | هلوول | مجلس حلا لعذب الكلام | 9 | 03-01-2006 10:11 AM |
قصة حياتي / قصيدة | وردة الحب | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 12 | 26-10-2005 06:50 PM |
أمنية حياتي | dark angel | مجلس حلا للشعر وهمس القوافي | 4 | 10-04-2005 03:30 AM |
هذه حياتي | حلاه الكون | مجلس حلا لعذب الكلام | 4 | 28-01-2005 06:30 PM |