:: أتصل بنا ::

 

::+: الواجهه الرئيسيه :+:: ::+: البحث في الاقسام والمواضيع :+::

العودة   منتديات حــلا > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-06-2008, 02:53 PM   #1
شمس القوايل

نائبة الإدارة

 
الصورة الرمزية شمس القوايل
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: May 2007
رقم العضوية: 35230
المشاركات: 42,377
عدد المواضيع: 1355
عدد الردود: 41022


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
شمس القوايل is on a distinguished road

شمس القوايل غير متصل
افتراضي خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( رساله الى كل مريض ))

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ : سعود الشريم
بتاريخ : 7- 8-1424هـ
وهي بعنوان : رسالة إلى كل مريض


الحمد لله المبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدّر لهم أقدارًا، وضرب لهم آجالاً، لا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون، قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، علم ما كان وما سيكون، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة العباد، إلا ما شاء لهم، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، ما تعاقب الأجدّان الليل والنهار.
أمّا بعد:
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ التي هي مُعتصَم عند البلايا، وسُلوان في الهمّ والرزايا.
واعلموا ـ حفظكم الله ورعاكم ـ أنّ الابتلاء سنّة ربّانية ماضية، هي مِن مقتضيات حكمةِ الله سبحانه وعدله، متمثِّلاً وقعُه بجلاء في الفقر والغنى، والصحّة والمرض، والخوف والأمن، والنقص والكثرة، بل وفي كلّ ما نحبّ ونكرَه، لا نخرج من دائرة الابتلاء، يقول الله تعالى: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأعراف:168]، ويقول سبحانه: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأنبياء:35]، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (نبتليكم بالشدّة والرخاء، والصحّة والسّقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطّاعة والمعصية والهدى والضلالة).
عبادَ الله، العاقل الحصيفُ يجب عليه حتمًا أن يوقنَ أنّ الأشياء كلَّها قد فُرِغ منها، وأنّ الله سبحانه قدّر صغيرها وكبيرَها، وعلم ما كان وما سيكون وأن لو كان كيف يكون، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْءنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأنعام:38]، يقول الرسول نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: ((أوّلَ ما خلق الله القلمَ قال له: اكتب، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقاديرَ كلّ شيء حتى تقوم الساعة)) رواه أبو داود.
فالمقاديرُ ـ عبادَ الله ـ كائنة لا محالة، وما لا يكون فلا حيلةَ للخلق في تكوينِه، وإذا ما قُدِّر على المرء حالُ شدّة وتنكَّظته الأمورُ فيجب عليه حينئذٍ أن يتّزرَ بإزار له طرفان: أحدهما الصبر والآخر الرّضا، ليستوفيَ كمالَ الأجر لفعله ذلك، فكم من شدّة قد صعُبت وتعذّر زوالها على العالَم بأسره ثمّ فُرِّج عنها بالسّهل في أقلَّ من لحظة، قيل للحسن: يا أبا سعيد، من أين أُتي هذا الخلق؟ قال: من قلّة الرضا عن الله، قيل: ومن أين أتي قلّة الرضا عن الله؟ قال: مِن قلة المعرفة بالله.
ولمّا جيء بسعيد بن جبير إلى الحجّاج ليقتلَه بكى رجلٌ فقال له سعيد: ما يبكيك؟ قال: لِما أصابك، قال سعيد: فلا تبكِ إذًا؛ لقد كان في عِلم الله أن يكونَ هذا الأمر، ثمّ تلا: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةمَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الحديد:22].
وما يصيب الإنسانَ إن كان يسرّه فهو نعمةٌ بيّنة، وإن كان يسوؤه فهو نعمة أيضًا؛ إمّا مِن جهة أنه يكفِّر خطاياه ويُثاب بالصّبر عليه، وإمّا من جهة أنّ فيه حكمةً ورحمة لا يعلمها إلا الله، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[البقرة:216]، وصدق رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة إذ يقول: ((عجبًا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن)) رواه مسلم.
أيّها النّاس، إنّ البشرَ قاطبةً مجمعون إجماعًا لا خِداج فيه على أنّ الصحّة تاجٌ فوق رؤوس الأصحّاء لا يراه إلا المَرضى، وأنّ الصحّة والعافية نعمةٌ مغبون فيها كثيرٌ من النّاس.
الأمراض والأسقامُ ـ عبادَ الله ـ أدواء منتشرةٌ انتشارَ النّار في يابِس الحطَب، لا ينفكّ منها عَصر، ولا يستقلّ عنها مِصر، ولا يسلم منها بشرٌ ولا يكاد إلاّ من رحم الله؛ إذ كلّها أعراض متوقّعة، وهيهات هيهاتَ أن تخلوَ الحياة منها، وإذا لم يصَب أحدٌ بسيلِها الطامّ ضربَه رشاشها المتناثرُ هنا أو هناك، وثمانيةٌ لا بدّ منها أن تمرَّ على الفتى، ولا بدّ أن تجريَ عليه هذه الثمانية: سرور وهمٌّ واجتماع وفرقة ويسر وعسرٌ ثمّ سقم وعافية.
الأمراضُ والأسقام هي وإن كانت ذاتَ مرارةٍ وثقل واشتدادٍ وعرك إلا أنّ الباريَ جلّ شأنه جعل لها حكمًا وفوائدَ كثيرة، علمها من علمها وجهِلها من جهلها، ولقد حدّث ابن القيم -رحمه الله- عن نفسه في كتابه شِفاء العليل أنّه أحصى ما للأمراض مِن فوائدَ وحكم، فزادت على مائة فائدة، وقال أيضًا: "انتفاعُ القلب والرّوح بالآلام والأمراضِ أمر لا يحسّ به إلا مَن فيه حياة، فصحّة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها" انتهى كلامه رحمه الله.
إنّ الابتلاءَ بالأمراض والأسقام قد يكون هبةً من الله ورحمة، ليكفّر بها الخطايا ويرفعَ بها الدرجات، فلقد استأذنتِ الحمّى على النبيّ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة فقال: ((من هذه؟)) قالت: أمّ ملدم وهي كنية الحمى، فأمر بها إلى أهلِ قباء فلقوا مِنها ما يعلم الله، فأتوه فشكَوا ذلك إليه، فقال: ((ما شئتم؟ إن شئتم أن أدعوَ الله لكم فيكشفها عنكم، وإن شئتم أن تكونَ لكم طهورًا))، قالوا: يا رسول الله، أوَتفعل؟ قال: ((نعم))، قالوا: فدَعها. رواه أحمد والحاكم بسند جيد. وقال نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: ((ما مِن مسلمٍ يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلاّ حطّ الله به سيّئاته كما تحطّ الشجرة ورقَها)) رواه البخاري ومسلم. وقال رجل لرسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: أرأيتَ هذه الأمراضَ التي تصيبنا، ما لنا بها؟ قال: ((كفارات))، قال أبي بن كعب: وإن قلَّت؟! قال: ((وإن شوكةً فما فوقها)) رواه أحمد. ولقد عادَ رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة مريضًا من وَعكٍ كان به، فقال صلوات الله وسلامه عليه: ((أبشِر فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: هي ناري أسلّطها على عبدي المؤمن في الدنيا، لتكونَ حظَّه من النار في الآخرة)) رواه أحمد وابن ماجه، والوعك هو الحمّى.
فمِن هنا ـ عبادَ الله ـ نعلم النتائجَ الإيجابيّة التي يثمِرها المرض، ونعلم أنّ مذاقه كالصّبِر، ولكنّ عواقبه أحلى من الشّهد المصفى، فعلامَ إذًا يمذُل أحدُنا من المرض يصيبه، أو يسبّه ويشتُمه، أو يعلّل نفسَه بليت وليت، وهل ينفع شيئًا ليت؟!
ألا فاعلموا أنّ رسولَ الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة دخل على أمّ السائب فقال: ((ما لك ـ يا أمّ السائب ـ تُزَفزفين؟)) قالت: الحمّى لا بارك الله فيها، فقال: ((لا تسبِّي الحمّى، فإنّها تُذهِب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبثَ الحديد)) رواه مسلم. ولقد أصابَ أحدَ السلف مرضٌ في قدمه، فلم يتوجّع ولم يتأوّه، بل ابتسمَ واسترجع، فقيل له: يصيبك هذا ولا تتوجّع؟! فقال: إنّ حلاوةَ ثوابه أنستني مرارةَ وجعه.
وبعدُ عبادَ الله، فلا يُظنّ ممّا سبق أنّ المرضَ مطلَب منشود، لا وكلاّ، فإنّه لا ينبغي للمؤمن الغُرّ أن يتمنّى البلاء، ولا أن يسألَ الله أن يُنزلَ به المرض، فلقد قال رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: ((سلوا اللهَ العفوَ والعافية، فإنّ أحدًا لم يعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية)) رواه النسائي وابن ماجه. وقال مطرّف: "لأن أُعافى فأشكُر أحبُّ إليّ من أن أبتلى فأصبر".
ومِن هنا نعلمُ جيّدًا أنّ المرض ليس مقصودًا لذاته، وإنّما لما يفضي إليه من الصّبر والاحتساب وحُسن المثوبة وحمدِ المنعم على كلّ حال، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: "المصائبُ التي تجري بلا اختيار العبدِ كالمرض وموتِ العزيز عليه وأخذِ اللصوص مالَه إنّما يثاب على الصّبر عليها لا على نفسِ ما يحدث مِن المصيبة، لكنّ المصيبةَ يكفَّر بها خطاياه، فإنّ الثواب إنّما يكون على الأعمالِ الاختيارية وما يتولّد عنها" انتهى كلامه.
ومِن هذا المنطلَق ـ عباد الله ـ اجتمع الكافر والمسلم والبرُّ والفاجر في مصيبة المرض على حدّ سواء، وافترقا في الثمرةِ والعاقبة، ولا يسوّي بينهما في ذلك إلا أليغ أرعن واقع فيما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إنّكم ترونَ الكافرَ من أصحِّ الناس جسمًا وأمرضهم قلبًا، وتلقَون المؤمن من أصحِّ النّاس قلبًا وأمرضِهم جسمًا، وايْمُ الله لو مرضَت قلوبُكم وصحَّت أجسامكم لكنتم أهونَ على الله مِن الجعلان). ودخل سلمان الفارسيّ رضي الله عنه على مريضٍ يعوده فقال له: (أبشِر فإنّ مرضَ المؤمن يجعله الله له كفّارة ومستعتبًا، وإنّ مرضَ الفاجر كالبعير عقله أهلُه ثمّ أرسلوه، فلا يدري لم عُقل ولم أرسِل).
عبادَ الله، إنّ الإسلامَ حينما يُرغّب في الصبر على البلوى ويبيّن ما تنطوي عليه الأسقام من آثارٍ شافية وحكمٍ كافية فلا يفهم مخطِئ أنّه يمجّد الآلام ويكرِّم الأوجاعَ والأوصاب، إنّما يحمَد الإسلام لأهلِ البلوى وأصحابِ الأسقام رباطةَ جأشِهم وحُسنَ يقينهم، نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةمَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِرًا عَلِيمًانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[النساء:147].
اشتكى عروة بنُ الزّبير الآكلةَ في رِجله، فقطعوها من ركبته وهو صامِت لم يأنّ، وفي ليلته تلك سقَط ولدٌ له مِن سطحٍ فمات، فقال عروة: "اللهمّ لك الحمد، كانوا سبعةً مِن الولد فأخذتَ واحدًا وأبقيتَ ستّة، وكان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا وأبقيتَ ثلاثًا، فإن كنتَ قد أخذتَ فلقد أعطيتَ، ولئن كنتَ قد ابتليتَ لقد عافيتَ"، فرحمَ الله عروة وغفر له، فلقد كان بعضُ المرض عندَه أهونَ من بعض، وبلاؤه أهونَ من بلاء غيره، فهان عليه مرضه، وهانت عليه بلواه، وهذا هو ديدنُ المؤمن، ينظر بعين بصيرته، فيحمد الله على أمرين: أوّلهما دفعُ ما كان يمكن أن يحدثَ من هُنيزةٍ أكبر حيث علِم أنّ في الزّوايا خبايًا، وفي البَرايا رزايا، وثانيهما بقاءُ ما كان يمكِن أن يزولَ من صحّةٍ غامرة وفضلٍ جزيل، فهو ينظر إلى النّعمة الموجودة قبلَ أن ينظرَ إلى النّعمة المفقودة.
عباد الله، إنّ الأسقامَ إذا استحكمَت وتعقّدت حبالُها وترادفت حلقاتُها وطال ليلُها فالصّبر وحدَه هو العاصِم بأمر الله مِن الجزع عند الرّيَب، وهو الهداية الواقية من القنوط عند الكُرَب. فلا يرتاع المؤمن لغَيمة تظهر في الأفق ولو تبِعتها أخرى وثالثة، بيد أنّ الإنسان إبّان لَهيعته يتجاهل الحقائقَ، فيُدهَش للصّعاب إذا لاقته، فيُنشِئ له مِن طبعه الجزوع ما يبغِّض إليه الصبرَ، ويجعله في حلقه مرَّ المذاق، فيتلجلج ويضيق ويحاوِل أن يخرجَ من حالته على نَكَظ، فينسى قولَ خالقِه: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةخُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءايَـٰتِى فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأنبياء:37].
واستمِعوا ـ يا رعاكم الله ـ إلى ما قصّه رسولنا نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة عن مرَض أيّوبَ عليه السلام، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: ((إنّ أيّوب نبيَّ الله لبثَ في بلائه ثماني عشرةَ سنة، فرفضه القريب والبعيد إلاّ رجلين من إخوانه، كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدُوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلَم والله، لقد أذنبَ أيّوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرةَ سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلمّا راحا إليه لم يصبِر الرّجل حتّى ذكر ذلك له، فقال أيّوب: لا أدري ما تقول، غيرَ أنّ الله يعلم أنّي كنتُ أمرّ على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجِع إلى بيتي فأكفِّر عنهما كراهيةَ أن يُذكَر الله إلاّ في حقّ، ـ قال: ـ وكان يخرجُ إلى حاجتِه، فإذا قضى حاجتَه أمسكتِ امرأته بيده، فلمّا كان ذاتَ يومٍ أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيّوب في مكانِه: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[ص:42]، فاستبطأته فبلغته، فأقبلَ عليها قد أذهبَ الله ما به من البلاء، فهو أحسن ما كان، فلمّا رأَته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبيَّ الله هذا المبتلى؟ والله على ذلك ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبهَ به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإنّي أنا هو، وكان له أندران: أندر القمح وأندر الشعير، فبعث الله سحابتين، فلمّا كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتّى فاض، وأفرغت الأخرى على أندرِ الشعير الوَرِق حتى فاض)) رواه ابن حبان والحاكم وصححه الذهبي.
فانظروا عبادَ الله، وانظروا أيّها المرضى إلى أيّوب وصبره، فلقد صدقتِ الحكمة ولقد صدق قائلها: الصبرُ صبرُ أيّوب، ثماني عشرة سنة وهو يتقلّب في مرضه لتكونَ عاقبة صبره يسرًا، وكثيرًا ما تكون الآلام طهورًا يسوقه الله بحكمتِه إلى المؤمنين الصّادقين لينزعَ منهم ما يستهوِي ألبابَهم مِن متاعِ الدنيا، فلا يطول انخداعُهم بها أو ركونهم إليها، ورُبّ ضارّة نافعة، بل كم من مِحنة محويّة في طيِّها مِنَح ورحماتٌ مطويّة.
اللهمّ إنّا نسألك العفوَ والعافية والمعافاةَ الدائمةَ في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه كان غفّارًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ ثمّةَ أمورًا يجب أن يعرفَها المرضى.
فمنها البشرَى لكلّ مريض أعاقه مرضُه عن القيام بالسّنن والنوافل التي كان يواظِب عليها إبّان صحّته بأنّها مكتوبة له لا يضيع أجرُها، فقد قال رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)) رواه البخاري.
كما ينبغي التنبّه إلى ما يقع فيه بعضُ المصابين ببعضِ الأمراضِ لا سيّما النفسية منها من العلاج بالمعازف والغِناء الذي حرّمه الله ورسوله، فإنّ شفاء الأمّة لم يكن قطّ فيما حرّمه الله عليها، ومعلومٌ أنّ الأدوية ثلاثة: دواء مشروع كالرّقية والعسل وزمزم ونحو ذلك، ودواء مباح وهو ما لم يحرّمه الشارع ولم يأمر به، وأدوية محرّمة لا يجوز التداوي بها، وإنّ لكل داء دواءً، علمه من علمه وجهله من جهله.
ثمّ ليعلم المرضى أنّه لا ينبغي التهاونُ بالصلاة حالَ المرض، فيجب أن تُصلَّى في وقتها إن استطاع، فإن لم يستطِع جمع بين الظهر والعصرِ وبين المغرب والعشاء رخصةً من الشارع الحكيم. كما يجِب عليه أن يتطهّر للصلاة التطهّرَ الشرعي، فإن لم يستطع فإنّه يتيمّم، فإن لم يستطع فإنّه يصلّي على حاله، ولا يدع الصلاة تفوت عن وقتها؛ لأنّ الله يقول: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[التغابن:16]، ويقول سبحانه: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةلاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[البقرة:233].
ثمّ ليعلمِ المرضى أنّ الأنين والتوجّع له حالتان: الأولى أنين شكوى فيُكرَه، والثانية أنينُ استراحة وتفريج فإنّه لا يُكره، بذلك قال ابن القيّم وغيره من المحقّقين.
هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة وأذكى البشريّة محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب صاحبِ الحوض والشّفاعة، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عزّ من قائل عليم: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةإِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة[الأحزاب:56].
اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد. اللهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين ...


في وداعة الرحمن
شمس القوايل



التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
قديم 14-06-2008, 11:40 PM   #2
دينا احمد

نائبة الإدارة

 
الصورة الرمزية دينا احمد
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Nov 2005
رقم العضوية: 16799
المشاركات: 56,501
عدد المواضيع: 2821
عدد الردود: 53680
الجنس: انثي


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
دينا احمد is on a distinguished road

دينا احمد غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( رساله الى كل مريض ))

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مشمشتى
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أسالك اللهم بخير من خيرك
الذي لا يعطيه غيرك
ان تجعل هذا الموضوع
فى موازين حسنات كاتبة هذا الموضوع
جزاك الله كل خير اختى الغالية
ننتظر كل جديد لكى ان شاء الله


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
 
قديم 15-06-2008, 03:51 PM   #3
ضحى النهار
(مراقبة مجلس حلا للصور)
 
الصورة الرمزية ضحى النهار
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2007
رقم العضوية: 39912
المشاركات: 11,852
عدد المواضيع: 821
عدد الردود: 11031


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
ضحى النهار is on a distinguished road

ضحى النهار غير متصل
افتراضي رد: خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( رساله الى كل مريض ))

شمس

بارك الله فيك

وجعله في ميزان اعمالك الصالحه
التوقيع:
\نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[BLINK]ضحى النهار[/BLINK]
 
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( الاجازه الصيفيه والسفر الى الخارج )) شمس القوايل ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 3 13-06-2008 12:13 AM
خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( مهلا أيها الزوجان )) شمس القوايل ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 07-06-2008 02:02 PM
خطبة الجمعه من المسجد النبوي بعنوان (( المحاسبه الجاده )) شمس القوايل ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 07-06-2008 02:01 PM
خطبة الجمعه من المسجد الحرام بعنوان (( معالم في عظمة الاسلام )) شمس القوايل ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 6 07-06-2008 01:57 PM
خطبة الجمعه ليوم 25 شعبان 1428 بعنوان ( اربعون وسيله لإستغلال رمضان ) لطفي ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ 7 21-09-2007 08:18 PM


الساعة الآن 06:51 PM


العاب فلاش
بلاك بيري
العاب ماريو
لعبة ماريو
العاب تلبيس
العاب طبخ
العاب باربي
لعبة باربي
سبونج بوب
العاب دورا
العاب سيارات
العاب ذكاء
صور 2014
صور شباب
فيسات بلاك بيري
نشر البن
العاب بنات
صور حب
صور ٢٠١٤
صور٢٠١٤
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd