مرحبا يا بلاد الذهب الاسود

[un know]

التحريض: هكذا تفكر وتتحرك إسرائيل إزاء الموضوع

لابد أن نلتفت، وباهتمام شديد، إلى الحملة الضارية القائمة على العرب - كل العرب بغير استثناء أو تمييز.

وهى حملة موجهة ضدهم على اتساع العالم بأسره، وإن كان التركيز ملحوظاً فيها على الولايات المتحدة وأوروبا الغربية...

حملة تستغل شيئاً من الحقيقة، وشيئاً من الكذب، وكثيراً من الخلط، ويتم مزج هذا كله بذكاء وعلم، ويجىء المزيج فى النهاية مسموماً... وربما قاتلاً!

يقال مثلاً من خلال هذه الحملة:

هل يعقل أن يملك العرب احتكاراً لمصدر الطاقة الرئيسى فى العالم، وأن يفعلوا به ما يشاؤون حتى وإن ألحقوا العجز والشلل بمجتمعات أخرى

(لم يفعل العرب فى الحقيقة شيئاً من ذلك!)

ليكن أن العرب فى حرب مع إسرائيل، فهل ينصب العقاب على الدنيا كلها تنفيساً لأحقاد العرب، وربما تعويضاً عن ضعف قدرتهم؟

(لم يعاقب العرب أحداً فى واقع الأمر ولا حتى الولايات المتحدة وهولندا وهما الدولتان اللتان تعرضتا لحظر بترولى عربى فى أعقاب حرب أكتوبر).

هل يمكن للعالم أن يسمح للعرب بإغراقه فى طوفان من التضخم النقدى بسبب رفع أسعار البترول... ذلك خراب محقق لا ينبغى للعالم المتمدين أن يسمح به.

(لم يكن العرب هم الذين رفعوا أسعار البترول ابتداء، وهذه مسألة بالغة التعقيد، ثم إن رفع أسعار البترول لم يكن هو سبب التضخم، والأرقام الدقيقة من أوثق المصادر العالمية تثبت أنه بينما نسبة التضخم فى العالم تتراوح ما بين 15 و20 فى المائة فإن ارتفاع أسعار البترول ليس مسؤولاً إلا عن واحد ونصف فى المائة فقط من نسبة التضخم العام).

هل يسمح لطرف دولى واحد أن يكدس لديه أرصدة مالية بغير حدود يتحكم بها فى النظام النقدى ويعرض العالم بالتالى لكارثة تهون بجانبها كارثة الأزمة فى بداية الثلاثينات؟

(ليس لدى العرب هذه الأرصدة الخرافية التى يتحدثون عنها فى الحملات، ومثلاً لا يعرف كثيرون أن الدخل القومى لدولة أوروبية متوسطة واحدة يزيد عن الدخل القومى العربى كله من البترول... دخل إيطاليا القومى مثلاً يكاد يصل إلى ضعف دخل العرب، مع العلم أن دخل إيطاليا عائد سنوى وأما دخل العرب من البترول فهو استهلاك لرأسمالهم كله وليس مجرد دخل.

ولقد سمعت أدق تصوير لمشكلة الأرصدة العربية من "هنرى كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكية، وكان تصوير كيسنجر كما يلى:

- صحيح أن الأرصدة العربية ليست شيئاً بالغ الضخامة فى النظام النقدى العالمى، ولكن الصورة كما يلى:

لنفرض أن النظام النقدى العالمى جبل كبير، فى هذه الحالة فإن الأرصدة العربية كتلة من الصخر فى هذا الجبل... المشكلة أن الجبل ثابت، وأن كتلة الصخر العربية متحركة بسرعة.

لا أحد يعرف إلى أين تتدحرج، وكيف تسقط، وعلى رأس من؟

النظام النقدى يرتكز على قاعدة إنتاج واستثمار، وأما الأرصدة العربية فمال سائل متحرك بسرعة وبعصبية أحياناً وهذه هى خطورته!)

· لماذا يحصل العرب على هذه الأموال وماذا يفعلون بها؟ طائرات خاصة؟ سيارات من فضة؟ ليال من ألف ليلة وليلة؟ موائد قمار؟ ملكات جمال لهن عيون زرق وشعر ذهبى؟ ماذا غير ذلك؟

(ليست الصورة على هذا النحو المطلق، وإنما لم يكن فى وسع أحد أن ينكر أن الصورة - على هذا النحو - ليست كلها من صنع الخيال.

وأذكر أننى كنت فى زيارة لواحد من أبرز ساسة أوروبا، وكانت الصحف يومها حافلة بأنباء فضيحة عربية فى أوروبا لم يكن لها لزوم، وربما بولغ فى تفاصيلها.

ولم أكد أجلس فى مقعدى حتى قال لى الصديق الذى كنت أزوره وهو يمسك بإحدى المجلات الأوروبية التى نشرت على غلافها صورة للفضيحة:

- هل رأيت هذا؟ لا أعرف لماذا تفعلون ذلك بأنفسكم؟ أنتم تلعبون بين يدى الآخرين!

وأتذكر الرئيس "فاليرى جيسكار ديستان" وهو يقول لى مرة بصدق وإخلاص:

- ربما كان هناك فى العالم من يحسدونكم على مواردكم، ولكنكم مطالبون بأن تخففوا من أثر ذلك بحسن استخدامكم لهذه الموارد.

وإذا أراد أحد فى العالم أن يقول: ما أكثر ما لديهم... فإن عليكم أن تجعلوه يقول فى النفس ذاته: ولكن ما أحسن تصرفهم فيه.

بقلم الاستاذ/ محمد هيكل