|
18-04-2008, 03:04 PM | #1 |
¨¤¨نائب الإدارة¨¤¨ |
خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته وبعد... الأدب قبل الطلب الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أحمده سبحانه وهو البر الرؤوف الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، أدّبه ربه وأكرمه فأحسن التأديب والتكريم، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بهديه وتأدبوا بأدبه الراشد القويم. أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وراقبوه، فإن السعيد من اتقاه، وأخذ من دنياه لأخراه. أيها المسلمون، خير ما تحلَّى به طلاّب العلم وأفضلُ ما ازدان به المتعلِّمون أدبٌ يحجز صاحبَه عن المهابط، ويصدّه من المثالب، ويرتفع به عن الدنايا، ويبلغ به من الكمالات النفسية والعقلية والعلمية كلَّ مبلغ، ويصيب به من التوفيق حظًّا موفوراً، ويجعل منه لبنةً صالحة في بناء كيان الأمة، وصورةً مثلى لطالب العلم المسلم الذي يطلب هذا العلمَ ابتغاءَ وجه ربه الأعلى، وليحظى بموعود الله على لسان رسول الله الوارد في قوله: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي وابن ماجه في سننهم، وكفى بالجنة غايةً وكفى بها أملاً. وإن هذه المنزلة السامية والمقام العلي لآداب المتعلمين ـ يا عباد الله ـ كان الباعثَ لكوكبةٍ من العلماء وقادةِ الذكر في هذه الأمة المسلمة، كان الباعثَ لهم على كمال العناية بها، وتمام الحرص على تأصيلها وتفصيلها، وتوجيه الأنظار إليها ببيان جمال محاسنها وجلال مقاصدها، فوضعوا في سبيل تحقيق ذلك طائفةً من المؤلفات البديعة والمصنفات الجامعة النافعة، تبدَّى ذلك جلياً فيما كتبه الغزالي والنووي وابن خلدون وابن جماعة وابن القيم وابن حجر المكي وغيرهم ممن ولج هذا الباب التربوي الهام والمؤثِّر في تربية وتعليم الأجيال على تعاقب العصور. وإن الأهمية الكبرى لهذه الآثار التربوية ـ يا عباد الله ـ لا ترجع إلى ما حوتْه من تأكيد وتأصيلٍ وبيان وتفصيل فحسب، بل أيضاً لما حظِيت به لدى جماهير المسلمين من عناية ظاهرة ورعاية بيّنة، تجلَّت في الحرص الدؤوب على اقتران العلم بالعمل، والقواعد بالسلوك، والتأصيل بالتطبيق، خشيةَ التردِّي في وهدة المقت الذي سبق عند الله، والذي ذكره سبحانه في قوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ[الصف:2، 3]. وبِذا أخذت هذه الآدابُ صفتَها الحيَّة الفاعلة المؤثِّرة في دنيا الواقع، مما كان له أبلغ الآثار وأوضحُ الأدلة على لزوم توثيق الروابط بين ركني العلم والعمل ببيان حسن العاقبة فيه، وجميل العائدة منه، وكريم الذخر به. وليس عجَباً إذاً أن يكون جنى هذا الغراس الطيب الزاكي متمثِّلاً في تلك النماذج المشرقة والأمثلة المضيئة التي تصوّر رفعةَ مكانة المعلِّمين، وسموّ آداب المتعلمين، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يخبر عن حاله مع شيخه الإمام مالك رحمه الله حين كان يقرأ الموطأ عليه قائلاً: "كنت أصفح ـ يعني أقلِّب ـ الورقةَ بين يدي مالك رحمه الله صفحاً دقيقاً هيبةً له لئلا يسمع وقعَها"، وهذا الربيع بن سليمان رحمه الله تلميذ الإمام الشافعي وأحد رواة مذهبه يقول: "والله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له"، وهذا الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج يقول رحمه الله: "كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدا ما دام حياً"، وهذا الإمام أحمد رحمه الله يقول لابن شيخه الإمام الشافعي رحمه الله يقول: "أبوك من الخمسة الذين أدعو لهم كل سحر"، قال: لم ذاك؟ قال أحمد: "إن الشافعي كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذيْن من خلَف"، وكان بعض السلف رحمه الله إذا ذهب إلى معلّمه تصدَّق بشيء ثم قال: "اللهم استُر عيبَ معلِّمي عني، ولا تُذهب بركةَ علمه مني". وإنها ـ يا عباد الله ـ لصورٌ وضيئة ونماذج متألِّقة تربُو على العدِّ وتجلّ عن الحصر، فماذا بقي في ذاكرة الأجيال منها؟ وإلى ما انتهى الأمر بها في أعقاب الزمن؟ إن الخلل بيِّن، والقصور واضح، والتفريط ظاهر، ولا يصحُّ اعتذار أهل التفريط عن تفريطهم بما لا يغني عنهم شيئاً من المعاذير، فإن المبادئ هي المبادئ، وإن الثوابت هي الثوابت، وإن الآداب هي الآداب، والذين استمسكوا بها هم بَشَر مثلُنا، وأناس منا، لكنهم صدقوا الله فصدقهم، وأخلصوا له فاجتباهم، وعملوا بما علموا فأكرمهم واصطفاهم، وأبقى في العالمين جميلَ سيرتهم وطيب ذكراهم. عباد الله، إن تصحيح النيات الذي هو قوام قبول الأعمال بتعاهد الإخلاص لله فيها، وإن الشفقة على المتعلمين والنظرَ إليهم نظرَ الأب الشفيق الناصح الرحيم الذي لا يدَّخر من نصح أبنائه شيئاً، بتعويدهم على محاسن الأخلاق، وتنفيرهم من مساوئها، بطريق التعريض مجتنبا التوبيخ والتقريع مهما كان ذلك ممكنا، مراعياً مداركهم وملكاتهم العقلية بعدم مخاطبتهم بما لا تبلغه عقولهم، ولا تحيط به أفهامهم، من مطابقة العلم العمل، حتى لا يكذب الفعل القول، كل أولئك مما تجب العناية به، وتجديد ما اندرس منه، وتذليل سبل المعونة عليه، أملاً في إحياء العمل به، والوفاء بحقوقه من آداب المعلمين والمتعلمين، وترسيخاً لقواعد البناء التربوي الإسلامي الذي هو أحد الركائز الأساسية في كيان الأمة، وأحد أهم عوامل رقيِّها وأسباب خيريتها التي كتبها الله لها، لتتبوَّأ المقام اللائق بها بين الأمم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[المجادلة:11]. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله الولي الحميد، أحمده سبحانه يهدي من يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صاحب الأدب الحميد والخلق الرشيد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه ذوي العقل الراشد والرأي السديد. أما بعد: فيا عباد الله، في تراث المسلمين التربوي دررٌ ونفائسُ يجب الوقوف عليها، وتأمّل معانيها، وتدبّر مراميها، والسعي الدؤوب إلى العمل بما فيها من عبر ودروس، ومسالك ووسائل، وشواهد ونماذج لا تكاد تحصى. ومن ذلك هذه الوصية الجامعة المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والتي جاء فيها قوله: (إن من حق المعلم عليك أن تسلِّم على القوم عامة وتخصَّه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرنَّ عنده بيدك، ولا تقصدنَّ بعينك غيره، ولا تقولنَّ: قال فلان خلافَ قولك، ولا تغتابنّ عنده أحداً، ولا تُسارَّ في مجلسه، ولا تأخذنَّ بثوبه، ولا تلحَّ عليه إذا كسل، ولا تشبعنّ من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء). وإنها لآداب جملية وخصال جليلة يبلغ المتأدبُ بها وبأمثالها أسمى المراتب وأعلى المنازل وأشرف المقامات، ويصل بها إلى ما يرجو من فلاح وصلاح وحسن مآب. ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على الاستمساك بكل أدب تصلون به إلى رضوان الله. وصلوا وسلموا على إمام المتقين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، فقد أمرتم بذلك في كتاب الله المبين، حيث قال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً[الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة... خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة لفضيلة الشيخ : أسامة خياط بتاريخ : 13- 7-1423هـ دمتم في حفظ الرحمن اخوكم و محبكم في الله لطفي |
|
|
18-04-2008, 05:45 PM | #2 |
][§¤حلا ذهبي ¤§][
|
رد: خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
بارك الله فيك اخي
وجزاك بكل الخير ان شاء الله وباذنه |
|
|
19-04-2008, 12:33 AM | #3 |
نائبة الإدارة |
رد: خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
لطفي شكرا على الطرح والخطبه الطيبه بارك الله فيك وجزاك الله خيرا وجعله في موازين اعمالك الصالحه ان شاء الله ننتظر جديدك القادم دمت بخير |
|
|
22-04-2008, 12:45 AM | #4 | |||||||||
نائبة الإدارة |
رد: خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
|
|||||||||
|
||||||||||
09-05-2008, 05:16 PM | #5 |
موقوف
|
رد: خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
لطفي
مشكور اخي وبارك الله فيك واكثر من امثالك وجزاك كل خير عنا وانار لك دربك لما فيه الخير وجعل كل حرف مما كتبت في موازين حسناتك |
25-05-2008, 09:18 PM | #6 |
(مراقبة مجلس حلا للصور)
|
رد: خطبة الجمعة ليوم 12 ربيع الثاني 1429 هـ (( الأدب قبل الطلب))
لطفي
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
خطبة الجمعة ليوم 5 ربيع الثاني 1429 (( الرحمة في الإسلام )) | لطفي | ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ | 7 | 25-05-2008 09:13 PM |
خطبة الجمعة ليوم 27 ربيع الاول 1429 (( انصرام الأيام وفجأة الموت )) | لطفي | ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ | 3 | 10-04-2008 08:47 PM |
خطبة الجمعة ليوم 22 صفر 1429 بعنوان (( النقد بين البناء و النقض )) | لطفي | ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ | 6 | 18-03-2008 10:48 PM |
خطبة الجمعة ليوم 24 محرم 1429 بعوان (( اليقين بهلاك اليهود الظالمين )) | لطفي | ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ | 8 | 05-02-2008 01:51 AM |
خطبة الجمعة ليوم 3 حرم 1429 ( ابتغاء الدرجات العلى ) | لطفي | ۞ مجلس حــلا الاسلامي ۞ | 6 | 27-01-2008 01:52 AM |