لطالما احبا بعضهما ,ولطالما تمنيا العيش معا,حتى تحديا الجميع وتزوجا..
رفضت العائلة هذه الزيجة,كما كانت رافضة لهذا الحب منذ البداية.
لكن لا احد يستطيع منع الحب,وان كان الكثيرون يستطيعون منع الزواج..حاولت العائلة كثيرا ايقاف هذا الزواج,لكن الاثنين اصرا وتحديا الجميع وتزوجا متعاهدين على تحمل مسئولية هذا القرار..كانا ابناء عم واحد,ابناء عم في عائلة كثيرة الامراض الوراثية,وقد حذر الاطباء اكثر من مرة من خطورة الزيجات الداخلية لهذه العائلة ولكن الحب فرض نفسه,وتزوجا رغم كل الظروف..وكانت النتيجة المتوقعة..لم يتمكن الزوجان من انجاب الاطفال,فحمل الام كان"يسقط"في كل مرة,فما ان يكمل الطفل اسابيعه الاولى حتى ينزل من رحم امه,مما سبب للزوجين عذابا كبيرا...وما كان يؤكد تلك النتيجة هو ان الزوجين كانا يعانيان من الامراض الوراثية..فالاثنان لديهما بعض مشاكل التخلف العقلي,لذا فهما غير قادرين على ادارة شئونهما المنزلية لوحدهما..فالام مثلا لديها بعض المشاكل في النطق,كما ان حركة يديها ليست موزونة تماما,فهي لا تستطيع حمل الاشياء بسهولة لان يديها كثيرتا الاهتزاز وعظم اليدين مرت,مما يعني بانها تواجه المشاكل في طبخ الطعام ونشر الملابس وقيادة السيارة بل وحتى في ضرب ارقام الهاتف وفي القراءة..اما الاب فكانت لديه مشكلة في الفهم والاستيعاب,حيث يفتقر الترتيب المنطقي للاشياء,ويجد صعوبة في الاستنتاج,فبالتالي كان شديد الخوف وكثير الخجل,مما يجعله انطوائيا جدا لا يخرج من المنزل,فهو غير قادر على الخروج لشراء حاجيات المنزل او دفع الفواتير,فهو ينسى الكلام عند المواجهة ولا يملك الثقة في نفسه لعمل اي شئ مهما كان بسيطا.. وكان اعتماد الزوجين بالكامل على الجيران والاصدقاء الذين كانوا يسيرون لهما كل امورهما..لكن حكمة الله شاءت اخيرا في ان يرزق هاذان الزوجان بطفلة سليمة تماما..وابتدات سلسلة طويلة من المعاناة..فمن سيهتم بغذاء الطفلة وحمامها وجلوسها ونومها,فذلك كان يبدو صعبا للغاية لمثل هاذين الوالدين,وقد كان الوالدان يدركان ذلك تماما..كانا قد تزوجا رغم رفض العائلة,لذلك كانا قد قررا الحياة لوحدهما دون اللجوء الى مساعدة الاهل فمهما صعبت عليهما الظروف,وذلك ليثبتا للعائلة بانهما قادران على الاعتماد على نفسيهما في بناء عائلة ناجحة سعيدة..وكانا قد نجحا في ذلك فعليا..حتى جاءت تلك الطفلة..فشعر الوالدان بالكثير من النقص,فالانسان يستطيع الحياة لوحده مجازفا بحياته..لكم من المستحيل ان يجازف بحياة ابنائه.صار الوالدان يعتمدان بشكل يكاد ان يكون كليا على الجيران,فهناك من تساعدها على ارضاع الطفلة واخرى على تحميمها,واخرى على تنويمها,واخرى وقت بكائها وهكذا,حتى اضطرا في النهاية الى جلب حاضنة اطفال لتعيش معهما وتعتني بالطفلة..ومرت السنوات سريعة,وبلغت الطفلة سنتها العاشرة من العمر,بينما بلغ الوالدان عمرا شقيا زاد من تدهور حالهما الصحية والنفسية..زاد تعلق الفتاة بالحاضنة ,فاليوم هي بحاجة الى من يفهمها,الى من يكلمها,الى من يمكنه مشاركتها لعبها ودراستها,واحلامها وطموحها,تحتاج لشخص يلعب معها دون ان تتكسر الالعاب في يده مثل امها,شخص تستطيع مشاركته صنع كعكه حلوى لصديقاتها دون ان تحترق مثل كعكه امها,تحتاج الى شخص تخرج معه لشراء حاجياتها دون ان يهرب عندما يكلمه احد مثل ابيها,شخص يذهب للسؤال عنها في اليوم الدراسي المفتوح دون ان يثير شفقة وضحك زميلاتها كما يفعل ابوها..وبذلك دخل الوالدان مع الطفلة دوامة لا اول لها ولا اخر..والوحيد الذي كان يفهم ما يحصل هي الحاضنة التي قررت في النهاية ان تبعد الطفلة عن الجو النفسي السئ الذي اصبحت تعيشه مع والديها حيث يتم عليها رعايتهما بدل ان يقوما هما برعايتها..ولكن قرار الحاضنة لاقى ردا عكسيا قويا من الوالدان الذين قررا طردها وابعادها عن ابنتهما..خرجت الحاضنة من المنزل,لكن الاتصال بينها وبين الطفلة ظل موجودا بالسر,فالوالدان كان يدركان سبب مكالمات اخر الليل ورسائل البريد التي كثرت منذ غياب الحاضنة,والابتسامة المصطنعة التي كانت الفتاة ترسمها على وجهها كانت دليلا على كل ما يجري..كانت الفتاة تريد الحاضنة وتحتاجها كثيرا,لكنها في نفس الوقت كانت رافضة لقرار الابتعاد عن والديها مهما كانت المضرة الواقعة عليها بوجودها معهما,ولكن في النهاية القرار كان لوالديها..كان الوالدان يعلمان الم الفتاة لفراق الحاضنة,ولكنهما كانا يتجاهلان ذلك الالم حتى يتمكنا من ابقاء ابنتهما معهما كما كانت دائما..ومرت بذلك الايام..وفي يوم..اقتربت الام من ابنتها بقرار طرد الحاضنة فقالت:"ان فراق الابن للام ليس اقل من حرق النار,فكما يتالم الانسان عندما تحترق اصبعه كذلك تتالم الام عند فراق ابنها".فابتسمت الابنة لامها وقالت:"ولكن الام التي تنقذ ابنها من النار قادرة على رمي جسدها بالكامل في النار وليس اصبعها فقط".استغربت الام رد الطفلة عليها,واخذ الامر منها ساعات لتفهمه,ونقلت المقولة لوالدها الذي ايضا تعب في تفسير كلام الطفلة,حتى اعترفا في النهاية بنقصهما,وبان طفلتهما لها الحق في حياة كريمة كباقي الاطفال بعيدا عن تحمل مسئولية والدين غير سويين..فاستدعيا الحاضنة,وطلبا منها رعاية ابنتهما في مكان قريب منهما,حتى يتمكنا على الاقل من رؤية نجاحها وتقدمها من وقت الاخر..فالقيا بنفسهما بنار حبها قبل ان تحرقها نار حبهما..