عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-2004, 10:40 PM   #18
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

الحلقة الثامنة

ذات يوم ...
و فيما كنا أنا و نديم و بعض شركاء الزنزانة نسلي أنفسنا باللعب بالحصى ، و هي لعبة سخيفة اخترعناها من أجل قطع الوقت الذي لا ينتهي ، و كنا نسر أو نتظاهر بالسرور أو نقنع أنفسنا به ، فتح الباب و دخل مجموعة من العساكر .




توقفنا جميعا عن اللعب ، و انسابت أنظارنا نحوهم . لم نكن نشعر بأي طمأنينة لدى دخول إي منهم ... فمجيئهم ينذر بالشر و الخطر




بدأ العساكر يجولون بأبصارهم فيما بيننا بازدراء و تقزز . ثم تقدم أوسطهم خطوة للأمام و قال :




" نديم وجيه "



و جعل ينقل بصره من واحد لآخر ...


نديم أجاب بعد برهة :


" أنا "





استدار العسكري إلى رفاقه و أومأ إليهم


تقدّم اثنان منهم و أقبلا نحو نديم ... و قالا بحدة :



" انهض "




نهض نديم ببرود ، فإذا بهما يطبقان عليه بشراسة و يقودانه نحو الباب ...




نديم سار معهما دون مقاومة ، فيما كانت أفئدتنا وجلة متوقعة شرا .




لم ينبس أحدنا ببنت شفة ، و بقينا في صمت رهيب و نحن نراقب نديم بقلق ، فيستدير هذا الأخير ليلقي علينا نظرة و يبتسم ...




خرج العساكر بنديم و أقفلوا الباب و بقينا في صمت فظيع لبضع دقائق ...




كنت أنا أول من أصدر صوتا اخترق جدار الصمت الموحش حين قلت :



" إلى أين أخذوه ؟ "



هز البقية رؤوسهم في حيرة و تساؤل ...




مضت ساعتان أو أكثر و نحن في هدوء و قلق ... في انتظار عودة نديم و بدا أنه لن يعود ..



بدأت أذرع الزنزانة ذهابا و جيئة و أنا أدعو الله ألا يكون نديم قد أعدم ...




و بينما أنا كذلك ، إذا بالباب يفتح مجددا ، و يدخل اثنان من العساكر يحملان نديم و يلقيان به أرضا ، ثم ينصرفان ...




أقبلنا بسرعة نحو نديم فإذا بالدماء تلطخ جسمه و ملابسه



و إذا بالجروح و الكدمات الملتهبة تغطي جسده ...




" نديم ! ماذا فعلوا بك ؟؟ "



صرخت في ذعر و أنا أرفع رأسه و أسنده على ركبتي ...



لم يكن نديم بقادر على الكلام من شدة الإعياء



و كان جليا لنا أنه تعرض لتعذيب شديد ...


تناوبنا جميعا في العناية به حتى بدأت الحياة تجري في عروقه .


أخبرنا فيما بعد بأنهم أوسعوه ضربا من أجل الإدلاء بمعلومات لا علم له بها ...
و أنهم في طريقهم لإعدامه حتما





في اليوم التالي ، حضر العساكر أيضا ، و ما أن دخلوا السجن حتى ارتعشت قلوبنا جميعا و اشرأبت أعناقنا و تعلقت أبصارنا بهم في حالة لا توصف من الذعر




في تلك اللحظة كنت أجلس جوار نديم أنظف بعض جروحه و بلا شعور مني أمسكت بذراعه بقوة خشية أن يأخذوه ...



هتف أحدهم :



" معتز أنور "




انتفضنا جميعا ، و كان معتز ، و هو أحد زملاء الزنزانة ، و أحد مجرمي السياسة، أكثرنا انتفاضا و ذعرا


صرخ معتز بفزع :



" لا "



و تقدم العساكر نحوه ، و هو يتراجع للوراء و يداه ترتجفان و العرق يغرق جسمه الهزيل ...



تقدم العساكر بلا رحمة و أمسكوا به و هو يصرخ و يقاوم في عجز ، و قادوه خارجا .




و ما هي إلا ساعة و نصف الساعة ، حتى أعيد إلينا بحالة سيئة ، مليئا بالجروح و الكسور أيضا .






أصبحنا نعيش حالة مستمرة من الخوف الشديد ، و لم يستطع أحدنا النوم بعدها .
و أصبحنا لمجرد سماعنا لأي صوت يصدر من ناحية الباب ، يركبنا الفزع المهول





و جاء اليوم التالي ، و جاء العساكر مجددا ...





كنا جميعا متكومين قرب بعضنا البعض ، و أعيننا محدقة بهم ، و كل منا في خشية من أن يكون التالي ...



" وليد شاكر "



عندما نطق باسمي صعقت ، بل و صعق جميع من معي ...


أخذ قلبي يخفق بعنف ، و أنا أراقب العساكر يتقدمون نحوي خطوة خطوة




صرخت :


" لكنني لست على علاقة بالسياسة "





لم أكد أنهي جملتي إلا و العساكر قد أمسكوا بي ...


حاولت سحب يدي من بين أيدهم بكل ما استطاعت عضلاتي إمدادي به القوة ...


و فشلت ...



" أنا هنا لجريمة قتل ... لا شأن لي بالسياسة "




حاولت مستميتا التخلص منهم و مقاومتهم دون جدوى



قادوني عنوة نحو الباب و لم يستطع أحد زملائي النطق بكلمة واحدة



و أنا أسحب إلى الخارج نظرت إلى نديم و قلت :



" ماذا سيفعلون بي ؟ ما الذي فعلته أنا ؟ "



نديم أغمض عينيه بقوة ، في أسف و ألم و كأنه يقول : أرثي لك ، ويل لك مما ستلقى ...





و لقيت ، ما لم ألقه في حياتي مطلقا ...


لقيت

أصنافا من العذاب التي أتوجع و أتلوّى من مجرد ذكرها ...

عذابا ... ينسي المرء اسمه و جنسه

تمنيت ساعتها ، لو أن أمي لم تلدني

لو أنني قتلت نفسي يوم قتلت عمّار

لو أن الله خلقني بلا أعصاب و إحساس ...

و لا قلب ...

و لو أن الدنيا خلت من اسم العذاب

و اسم السجون

و حتى من اسم رغد ...












الأوقات الوحيدة في حياتي كلها ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تكن ... و لم توجد ...











أصبت بكسر في أنفي جعل شكله يتغير و تظهر انحناءة صغيرة أعلاه .




بقيت ممدا على سريري بلا حراك ليومين ، كان فيها من بقى من زملائي سالما يعتني بي ، و بنديم و معتز ، و اثنين آخرين ...




بعدها بأيام ، علمنا من الحارس أن اسمي قد أدرج خطأ ضمن قائمة المجرمين السياسيين !






مجرد خطأ ... !







كان ذلك بعد عدة أشهر من زيارة سيف الأولى و قبل أشهر أخرى من زيارته التالية و التي ابتدأها بقول :





" وليد ! ماذا فعلت بأنفك !؟ "







سردت على سيف ما حصل ، و وعدني بان يتم ذكر هذا في ملفي .

عندما سألته عما جد في موضوعي أخبرني بأن والده لا يزال يدرس الأمر ،

و لدى سؤالي عن أهلي قال :





" اختفوا ! "





زاد ذلك ضيقي و إحباطي الشديدين و قضى على بقايا الأمل بالخروج من هذا المكان ...




بدأت أؤمن بأنهم قد قتلوا جميعا في الحرب ... و إن كان الأمر كذلك ، فإنني لا أرغب في الخروج ...




بل أرغب في الموت ....





أحقا لم يعد لأهلي أي وجود ؟؟

أماتوا ؟

أم تخلوا عني ؟

أم ماذا ؟؟




و رغد ؟؟

ماذا حل برغد ؟؟