عرض مشاركة واحدة
قديم 15-02-2006, 01:24 PM   #1
ماكنزي
][§¤حلا ذهبي ¤§][
 
الصورة الرمزية ماكنزي
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Jan 2006
رقم العضوية: 19945
المشاركات: 3,548
عدد المواضيع: 344
عدد الردود: 3204


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
ماكنزي is on a distinguished road

ماكنزي غير متصل
افتراضي سقراط الفلتة العقلية أو الطفرة الإنسانية

سقراط الفلتة العقلية أو الطفرة الإنسانية


في عام 399 قبل الميلاد تم تقديم رجل عجوز يناهز عمره السبعين عاماً, نال شهرة واسعة في التاريخ الفلسفي, الى المحكمة في أثينا بتهمتي الهرطقة وإفساد الشبيبة, وتم الحكم عليه بالإعدام من أجل آرائه, وكانت طريقة تنفيذ حكم الإعدام في أثينا في ذلك الوقت هو قتل المجرم بجرعة سم الشوكران . كان هذا المجرم ( سقراط ) استقبل الموت بكل شجاعة وتجرع السم وهو يشرح أفكاره لطلابه المتحلقين حوله وهم يحبسون دموعهم حتى اللحظة الأخيرة, وكان الشيء الأخير الذي أوصى به توفية دينه, وعندما بكت زوجته قائلة إنهم يقتلونك ولكنك بريء ?! كان جوابه : وهل كان يسرك أنني أُحكم بالإعدام مداناً .
والسؤال الذي يطرح نفسه عن طبيعة التهمة الخطيرة التي كان يمارسها سقراط بحيث اعتبرت جريمة في نظر المجتمع الأثيني, فصوت بالأكثرية لإعدام ألمع دماغ في المجتمع, في حركة تحييد كاملة لهذه العقلية الألماسية المثيرة المحركة لكسل العقول, كما تفعل الدجاجات عندما ترى دجاجة مجروحة فتنقرها حتى الموت, فاعتبرت أن طريقته في البناء المعرفي والعمل التعليمي مفسدة لعقول الناشئة, خطيرة ضلالية الى درجة الهرطقة, يستحق عليها الإعدام, لتطهير البلاد والعباد من شروره ?!! ينقل لنا التاريخ الفلسفي أن سقراط كان يعتمد آلية بيولوجية فكرية انتبهت لها مدارس علم النفس متأخراً, متأثراً ربما من والدته وزوجته ( كزانتيبي ) فوالدته كانت قابلة, وكان سقراط في نقاشه المحموم في طريق اكتشاف الحقيقة, يؤكد على حقيقة واحدة, يتميز بها عن غيره من الناس, وهي التي وصفته بها عرافة معبد دلفي عندما قالت بأنه أكثر الناس حكمة .
كان سقراط يرى أن هناك شيئاً واحداً فقط يمكن التأكد منه هو : جهله, وفي هذه الكلمة تتحرر ثلاث بنى فكرية ضخمة: الأولى أخلاقية تسم التواضع الودود الذي كان يتمتع به سقراط, والثانية : قدح زناد الشرارة المعرفية وتركيب ( دينمو ) المعرفة, لأن من يعرف أنه لايعرف, يكون قد وضع رجله في أول طريق المعرفة, لتصحيح ماعنده والاستزادة المعرفية مما ليس عنده . والثالثة : حقيقة انطولوجية في كون يحيط بنا يعج بالمعرفة التي لاتعرف النفاد, في وجود لانهائي يستحيل على النضوب المعرفي .
كان سقراط يحرر طريقة خاصة مميزة لشق الطريق الى المعرفة في أسلوب تعليمي من السؤال والجواب, بدون أن يعطي جواباً واضحاً نهائياً عن أي شيء, في الحين الذي يدرب على صياغة السؤال في غاية الدقة والبيان, فكان الجواب بهذه الكيفية يولد وبالتدريج من فم غريمه في المناقشة, تماماً مثل ولادة المرأة في الوضع, و الولادة هنا هي للأفكار .
بهذه الطريقة التعليمية التي هي بين السوفسطائية والشك , واليقين والتمحيص الدؤوب عن الحقيقة, في نظم عقلي متميز, صدم سقراط عقائد أهل أثينا فنادى بالتوحيد وأنكر تعدد الآلهة, ونقل المعركة الفلسفية من ميدان الطبيعة الى الميدان الأخلاقي الانساني, فمشكلة الانسان الكبرى هي في علاقته بأخيه الانسان أكبر من مشكلة علاقته بالطبيعة, وفيها يكمن التحدي الأعظم . وفيها حرَّر مبدأه الأخلاقي الذي استفادت منه مدارس شتى في التاريخ في تأسيس العلاقات الانسانية, بعدم مكافحة الشر بالشر, وأنه خير لنا أن نتحمل الظلم من أن نمارسه, وأن التغيير الاجتماعي ينطلق مع ممارسة الواجب, أكثر من المطالبة بالحقوق, وأن الالتزام الأخلاقي هو الناظم المحوري في الحركة الاجتماعية, وأن البحث عن الحقيقة يجب أن تشكل نهم الانسان الأول, بغض النظر عن الجانب النفعي فيها, في تشكيل عقل نقدي لايعرف التقاعد أو الكلل في محاولة الاقتراب من الحقيقة, كما بشر آينشتاين لاحقاً, بأن اكتشاف الحقيقة مرة واحدة لاتكفي بل لابد لها من الصقل المتواصل, في منظومة معرفية انقلابية .
هذا الذي دعا سقراط لتجرع كأس السم, وعدم لجوئه الى الفرار مع وجود فرصة ذلك, لإثبات الجانب العملي الميداني للمارسة الأخلاقية بالتقدم الى الشهادة من أجل أفكاره, ليقينه الكامل أن الأفكار الجيدة تنمو بالموت في سبيلها, كما يحصل مع طمر البذرة في باطن الأرض .
لم يكن سقراط مرتاحاً في حياته الزوجية ولذا أخذ الحكمة منها بالصبر عليها فكان يقول لمن يسأله عن الزواج : تزوج لأنك إن اجتمعت بالمرأة الصالحة كنت سعيداً وإن لم يكن كذلك تعلمت الفلسفة .
العلم والتعليم إذاً ليس جمع معلومات, ولاشحن لبطارية الذاكرة, وإن كان هذا يلعب دوراً فيه, ولكنها عملية عقلانية تنزل الى مفاصل السلوك كي يؤدي مشية سوية على صراط مستقيم.







تحيتي لكم............
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة