عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2004, 09:50 PM   #23
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

الحلقة العاشرة

ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ...




كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ...



أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة


و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ...


و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ...


لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ...





تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت !


أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟

أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟

أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟





" حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز "



قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ...


و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة

و أنفي كذلك !



قلت :


" عدا عن كسر بسيط في الأنف ! "




و ضحكنا !






قلت :


" فعلها والدك ؟ "




ابتسم و قال مداعبا :



" والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ "


" بعشر سنين من عمري أهديها لك !"






ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل



كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ...



طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ...

الطريق ...

الشارع ...

الأشجار

كل شيء يتحرك ...

بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ...





8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ...

أو أكثر

أو أقل ؟؟





دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ...




الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال




بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ...





إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ...

و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد !

آه يا رغد !

ها أنا أعود ...

فهل أنا في حلم ؟؟







كانت الشمس قد استأذنت للرحيل على وعد بالحضور صباحا ، لحظة أن فتحت عيني على صوت يناديني ...




" وصلنا ! انهض عزيزي "




لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، ألا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة ...

كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد ... و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم ...




" وصلنا ! إلى أين ؟ "




قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة ... إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي ...


قال سيف :




" إنه منزلي يا وليد "


حدقت بسيف برهة ، ثم قلت :




" خذني إلى منزلي رجاءا ! "


سيف علاه شيء من الحزن و قال :



" كما تعرف يا وليد ... أهلك قد غادروا ... ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا "









قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف .




هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟

طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم !





" أنا آسف ! إنني جائع جدا ! "



قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، ألا أن سيف ضحك و قال :




" هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية "



رفعت بصري إليه و قلت :



" لو تعلم كيف كان طعامي هناك ... ! "



هز سيف رأسه و قال :




" انس ذلك ... لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله "




هل انتهى حقا ... ؟؟







رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة ...


كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير ... بأهلي ...







و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل ...





رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي ...

سمعت صوت نديم يناديني ...

" انهض يا وليد ، جاء دورك "


كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي ... لم أشأ النهوض ...


هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني



أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها ...



لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف ... منظر لم أعتد رؤيته ... نهضت بسرعة و نظرت من حولي ...






" وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! "




كان صديقي سيف يقف إلى جانبي ...


قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم :


" أنت وليد ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم ... "




سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال :


" عزيزي ... إنك في بيتي هنا ، لا تقلق ... "




خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت :



" سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ "






الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ












بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه

و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف !



اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى

لم يفتحه أحد ...




جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب !



التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد


لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي ...



نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه !



" وليد ! ما الذي تفعله !؟ "



أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور :



" سأفتح الباب ، انتظرني "





و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف ...



~~~~~~~~~~~~