عرض مشاركة واحدة
قديم 31-12-2004, 02:47 PM   #49
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تــــــــابع

استدرت إلى الوراء ... فإذا بي أرى رغد تطل من فتحة الباب !


صمدت في مكاني مندهشا !


رغد أخذت تنظر إلى و إلى الحقيبة التي في يدي ... ثم تهز رأسها اعتراضا ... ثم تقبل إلي مسرعة ...

" وليد ... لا ... لا ترحل أرجوك "


حرت و لم يسعفني لساني بكلمة تناسب مقتضى الحال ... سألتها :


" لم ... أنت مستيقظة الآن ؟؟ "


رغد حدقت بي مدة ، و بدأت الدموع تنحدر من محجريها ...


" أوه ... كلا أرجوك ! "


قلت ذلك بضيق ، فأنا قد خرجت في هذا الوقت خلسة هروبا من هذا المنظر ...


ألا أن رغد بدأت تبكي بحدة ...


" لا تذهب وليد أرجوك ... أرجوك ... ابق معنا "


قلت :


" لا أستطيع ذلك ... أعني ... لدي عمل يجب أن أعود إليه "

و في الحقيقة ، لدي واقع مر يقف أمامي ... علي أن أهرب منه ...


رغد تهز رأسها اعتراضا و استنكارا ... ثم تقول :


" خذني معك "


ذهلت لهذه الجملة المجلجلة ! و اتسعت حدقتا عيني دهشة ...


رغد قالت :


" أريد أن أعود إلى بيتنا "


" رغد !! "


دخلت رغد في نوبة بكاء متواصل ، خشيت أن يخترق صوتها الجدران فيصل إلى البقية و يوقظهم ... و نبدأ دوامة جديدة من الدموع ...


قلت :

" رغد ... أرجوك كفى ... "


رغد قالت بانفعال ، و صوتها أقرب للنوح منه إلى الكلام :

" أنا ... وفيت بوعدي ... و لم أخن اتفاقنا ... لكنك كذبت علي ... و لم تعد ... و الآن بعد أن عدت ... تبادر بالرحيل ... و تنعتني بالخائنة ؟ إنك أنت الخائن يا وليد ... تتركني و ترحل من جديد "


كالسم ... دخلت هذه الكلمات إلى قلبي فقتلته ... و زلزلتني أيما زلزلة ...


قلت مندهشا غير مستوعب لما التقطت أذناي من النبأ الصاعق :


" لم ... لم ... تخبري أحدا ... ؟؟ "


رغد هزت رأسها نفيا ...


قلت بذهول :


" و لا ... حتى ... سامر ؟؟ "


و استمرت تهز رأسها نفيا و بألم ...

فشعرت بالدنيا هي الأخرى تهتز و ترتجف من هول المفاجأة ... تحت قدمي ّ


قالت :


" كنت أنتظر أن تعود ... لكنهم أخبروني أنك لن تعود ... و لا تريد أن تعود ... و كلما اتصلت بهاتفك ... وجدته مقفلا ... و لم تتصل لتسأل عني و لا مرة طوال هذه السنين ... لماذا يا وليد ؟؟ "


لحظتها تملكتني رغبة مجنونة بأن أضحك ... أو ... أو حتى أتقيأ من الصدمة !
لكن ...
ما الجدوى الآن ...


كبتّ رغبتي في صدري و معدتي ، و رفعت نظري إلى السماء ... أُشهد ملائكة الليل على حال ٍ ليس لها مثيل ...


و حسبي الله و نعم الوكيل ...


سمعت صوت تغريد عصفور شق سكون الجو ... و نبهني للوقت الذي يمضي ...

و الوقت الذي قد مضى ...

و الوقت القادم المجهول ...

كم سخرت الدنيا مني ... فهل من مزيد ؟؟؟


" صغيرتي ... أنا ذاهب ... "


رغد ظلت تنظر إلي و تبكي بغزارة ... و لم يكن باستطاعتي أن أمسح دموعها ...


استدرت موليا إياها ظهري ... لكن صورتها بقيت أمام عيني مطبوعة في مخيلتي ...


سرت خطى مبتعدا عنها ... نحو البوابة الرئيسية للفناء ، و فتحتها ...

قلت :

" اقفلي الباب من بعدي .. "


دون أن التفت نحوها ... فهو دوري لأذرف الدموع ... التي لا أريد لأحد أن يراها و يسبر غورها ...



" وليــــــــــد "



و كعصفور يطير بحرية ... بلا قيود و لا حدود ... و لا اعتبار لأي شيء ... أقبلت نحوي ...



استدرت ... و تلقيت سهما اخترق صدري و ثقب قلبي ... و بعثر دمائي و مشاعري في لحظة انطلقت فيها روحي تحلق مع الطيور المرفرفة بأجنحتها ... احتفالا بمولد يوم جديد ...





منذ الساعة التي أجريت فيها المقابلة الشخصية ، و طرح علي السؤال عن خبراتي و مؤهلاتي و عملي في السابق ، أدركت أن الأمر لن يكون يسيرا ...



حصلت على الوظيفة رغم ذلك بتوصية حادة من صديقي سيف ، الذي ما فتئ يشجعني و يحثني على السير قدما نحو الأمام



و خلال الأشهر التالية ، واجهت الكثير من المصاعب ... مع الآخرين .

بطريقة ما انتشر نبأ كوني خريج سجون بين الموظفين ، و تعرضت للسخرية و المعاملة القاسية من قبل أكثرهم




كنت أعود كل يوم إلى المنزل مثقلا بالهموم ، و عازما على عدم العودة للشركة مجددا ، ألا أن لقاءا قصيرا أو مكالمة عابرة مع صديقي سيف تنسيني آلامي و تزيح عني تلك الهموم ...



أصبح صديقي سيف هو باختصار الدنيا التي أعيشها ...




توالت الأشهر و أنا على هذه الحال ، و كنت اتصل بأهلي مرتين أو ثلاث من كل شهر ... اطمئن على أحوالهم و أحيط علما بآخر أخبارهم



علمت أن رغد التحقت بكلية الفنون و أن دانه قد حددت موعدا لزفافها بعد بضعة أشهر .. و أن والديّ يعتزمان تأدية الحج هذا العام ...


أما سامر ، فقليلا جدا ما كنت أتحدث إليه ، حين أتصل و يكون صدفة متواجدا في المنزل ، إذ انه كان يعمل في مدينة أخرى ...



في الواقع ، أنا من كان يتعمد الاتصال في أيام وسط الأسبوع أغلب الأوقات .



لقد تمكنت بعد جهد طويل ، من طرد الماضي بعيدا عن مخيلتي ، ألا أنني لازلت احتفظ بصورة رغد الممزقة موضوعة على منضدتي قرب سريري ـ إلى جانب ساعتي القديمة ـ ألمها ثم أبعثرها كل ليلة !



حالتي الاقتصادية تحسنت بعض الشيء ، و اقتنيت هاتفا محمولا مؤخرا ، ألا أني تركت هاتف المنزل مقطوعا عن الخدمة .



أما أوضاع البلد فساءت عما كانت عليه ... و أكلت الحرب مدنا جديدة ...
و أصبح محظورا علينا العبور من بعض المناطق أو دخول بعض المدن ...



في مرات ليست بالقليلة نتبادل أنا و سيف الزيارة ، و نخرج سوية في نزهات قصيرة أو مشاوير طويلة ، هنا أو هناك ...




في إحدى المرات ، كنت مع صديقي سيف في مشوار عمل ، و كنا نتأمل مشاهد الدمار من حولنا ...

الكثير الكثير من المباني المحطمة ... و الشوارع الخربة ...



مررنا في طريقنا بأحد المصانع ، و لم يكن من بين المباني التي لمستها يد الحرب ... فتذكرت مصنع والدي الذي تدمر ...


قلت :


" سبحان الله ! نجا هذا من بين كل هذه المباني المدمرة ! ألا يزال الناس يعملون فيه ؟؟ "


أجاب سيف :


" نعم ! إنه أهم مصنع في المنطقة يا وليد ! ألا تعرفه ؟ "


" كلا ! لا أذكر أنني رأيته مسبقا ! "


ابتسم سيف و قال :


" إنه مصنع عاطف ... والد عمّار ... يرحمهما الله ! "



دهشت ! فهي المرة الأولى التي أرى فيها هذا المبنى ... !



أخذت أتأمله بشرود ... ثم ، انتبهت لكلمة علقت في أذني ...


" ماذا ؟ رحمهما الله ؟؟ "


سألت سيف باستغراب ، معتقدا بأنه قد أخطأ في الكلام ... قال سيف :


" نعم ... فعاطف قد توفي في العام الماضي ... رحمه الله "


~~~~~~~~~~~~