عرض مشاركة واحدة
قديم 17-12-2004, 04:56 PM   #30
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تــــــــــــــــــــــــابع


رميت بجسدي المثقل بالهموم على أقرب مقعد للباب .. و أطلقت العنان لشلالات الدموع لأن تعبر عن قسوتها بالقدر الذي تشاء


لم يكن أمامي شيء يرى ... أو يسمع .. أو يثير أي اهتمام





لا شيء يستحق أن أعيش لأجله ... بعدما فقدت أهم شيء عشت على أمل العودة إليه حتى هذه اللحظة



رفعت رأسي إلى السقف و أردت لأنظاري أن تخترقه و تنطلق نحو السماء ...



يا رب ...

لقد كانت لدي أحلامي و طموحي منذ الصغر ...

و أمور ثلاثة كانت تشغل تفكيري أكثر من أي شيء آخر ...

الحرب ، و ها قد قامت و تدمر ما تدمر ، و لم يعد يجدي القلق بشأن قيامها

الدراسة ، و ها قد انتهت و ضاعت ... و قضيت أهم سنوات عمري في السجن بدلا من الجامعة ... و انتهى كل شيء و لم يعد يقلقني التفكير فيه ...

و رغد ...

رغد ..

أول و آخر و أهم أحلامي ...

رغد الحبيبة ... مدللتي التي رعيتها منذ الصغر ...

و راقبتها و هي تنمو و تكبر ...

يوما بعد يوم ...

و قتلت عمار انتقاما لها ...

و قضيت أسوأ و أفظع سنوات حياتي حتى الآن ... في السجن

منفيا مبعدا مهجورا معزولا عن الأهل و الدنيا و الحياة ... و نور الشمس ...

و ذقت الأمرين ... و سهرت الليالي و أنا أتأمل صورتها و أعيش على الأمل الأخير لي ... بالعودة إليها و لو بعد سنين ...



أعود فأراها مخطوبة لغيري !

و من ؟؟

لشقيقي ..؟؟

يا رب

رحمتك بي

فانا لست حملا لكل هذا

و لم يعد بي ذرة من القوة و الاحتمال ...






كنت أبكي بحرقة و لا أشعر بشيء من حولي ، حتى أحسست بيد تمسك برأسي و تأخذني إلى حضن لطالما حننت إليه ...




" ولدي يا عزيزي ما بك ؟ لماذا تبكي يا مهجة فؤادي ؟"


و أجهشت أمي بكاءا و هي تراني أبكي بحرارة


حاولت أن أتوقف لكنني لم استطع ...


لقد تلقيت صدمة لا يمكن لقلب بشر أن يتحملها ...

رغد !؟

رغد صغيرتي أنا ... أصبحت زوجة لأخي ؟؟


إن الأرض تهتز من حولي و جسدي يشتعل نارا و تكاد دموعي تتبخر من شدة الحرارة ...





لم أجد في جسدي أي قوة حتى لرفع ذراعي و تطويق أمي ... بكيت في حضنها كطفل ضعيف هزيل جريح ... لا يملك من الأمر شيئا ...








بعد فترة من الزمن لا أستطيع تحديدها ، حضر والدي و حالما رآنا أنا و أمي على هذا الوضع قال :




" يكفي يا أم وليد ... دعي ابننا يلتقط أنفاسه أما اكتفيت ؟؟ "





والدتي أخذت تحدق بي بين طوفان الدموع ...

قلت بلا حول و لا قوة و بصوت أقرب إلى النحيب منه إلى الكلام :

" أنا متعب ... متعب جدا ... لقد انتهيت ... انتهيت ... "





و بعد حصة البكاء هذه صعدا بي إلى غرفة سامر ، و جعلاني أضطجع على السرير و هما يقولان :



" ارتح يا بني ... نم لبعض الوقت "





ثم غادرا ...




و أنا مضطجع على الفراش و وجهي ملفوفا نحو اليمين ... و دموعي لا تزال تنهمر و تغرق الوسادة ، وقع ناظري على الهاتف ...




مددت يدي و أخذته و استرجعت بصعوبة رقم هاتف الشقة التي يقيم سيف بها و اتصلت به




" يجب أن تحضر الليلة "













بعدها جاء سامر يخبرني بأن سيف قد حضر ...




كان سامر يبتسم ، و إن بدت من نظراته علامات القلق ... خصوصا و هو يرى الوجوم الغريب على وجهي الذي كان مشرقا طوال النهار




ذهبت معه إلى حيث كان سيف و والدي يجلسان و يتبادلان الأحاديث ...



لابد أن الجميع قد لاحظ شرودي ... و عدم إقبالي على الطعام ، على عكس وجبة الغذاء التي التهمت حصتي منها كاملة تقريبا




" ما بك لا تأكل يا وليد ؟ كُلْ حتى تسترد الأرطال التي فقدتها من جسمك ! "



أجبت ببرود و بلادة :


" اكتفيت "




و بعد العشاء جلسنا في غرفة الضيوف نشرب الشاي ، و كانوا هم الثلاثة ، أبي و سامر و سيف ، في قمة السعادة و يتبادلون الأحاديث و الضحك ...



أما تفكيري أن فكان متوقفا و جامدا عند اللحظة التي قال فيها آخي :

( نحن مخطوبان )





بعد ساعة ، استأذن سيف للانصراف و أخذ يصافح الجميع و حين أقبل نحوي قلت :

" سأذهب معك "





أبي و سامر تبادلا النظرات ثم حدقا بي ، كما يفعل سيف ... و قالا سوية و باستغراب :


" ماذا ؟؟ "




و أنا لا أزال ممسكا بيد سيف و ناظرا إليه أجبت :


" إذ لا سرير لي هنا ... "


و توقفت قليلا ثم تابعت :


" و لا أريد ترك صديقي وحيدا "






كان سيف يعتزم السفر بعد يوم آخر ، لينال قسطا أوفر من الراحة بعد مشقة الرحلة الطويلة التي قطعناها ...



و انتهى الأمر بأن خرجت معه دون أن أودع غير والدي ، و سامر ...





في السيارة بعد ذلك ، فتحت الخزانة الأمامية و استخرجت علبة السجائر التي كنت قد دسستها بداخلها أثناء تجوالنا


و فتحت النافذة ، ثم أشعلت السيجارة و التفت إلى سيف و قلت :


" أتسمح بأن أدخن ؟؟ "




صديقي سيف لم يكن من المدخنين ، أومأ برأسه إيجابا و فتح نافذته ، و انطلق بالسيارة ...




بقيت صامتا شاردا طوال المشوار ، و لم يحاول سيف خلخلة صمتي بأي كلام





بعد فترة ، و نحن نقف عند الإشارة الأخيرة قبل المبنى حيث نسكن ، و فيما أنا في شرودي و دهليز أفكاري اللانهائي ، قال سيف :



" متى بدأت تدخن ؟؟ "



لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام ...






" السجن يعلّم الكثير ... "


قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق ...


تذكرت لحظتها تلك الأيام ...

و أولئك الزملاء في السجن ...

لماذا أشعر بهم الآن حولي ؟؟

كأني أشم راحة الزنزانة !

ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !

و هل يمكن أن أنساها ؟

و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط ...؟؟

ليتهم ...

ليتهم قتلوني معك يا نديم ...

ليتنا تبادلنا الأرواح ...

فمت ُّ أنا

و بقيت أنت ... و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك ...

أنا ... لا أهل لي و لا بد ...

و لا أحباب ...




~~~~~~~~~~~~~~~~~