عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2005, 08:23 PM   #65
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تابع الحلقة العشرون

قلت :
" لم يعد له وجود ... أو داع للوجود "
طُرق الباب مجددا ، فتوجهت لفتحه فإذا بها أمي ...
أمي حملقت في عيني المحمرتين برهة ثم قالت :
" رغد ... أهناك شيء ؟؟ "
واريت أنظاري تحت الأرض ، و قلت :
" لا ... لا شيء "
و حين رفعت نظري إليها وجدتها تنظر إلي بتشكك ...
هربت من نظراتها و نظرت إلى ابنة خالتي ... و التي بدورها قالت :
" يجب أن أذهب الآن ... "
و ذهبت إلى المرآة ترتب حجابها و عباءتها ...
قلت :
" نهلة ! كلا لن تذهبي الآن ! "
قالت :
" لدى سارة دروس تستصعبها و هي تنتظرني لتعليمها الآن ! ... "
قالت أمي :
" لا يزال الوقت مبكرا ... ابقي للعشاء معنا "
ابتسمت نهلة و قالت و هي تحرك يدها عند نحرها :
" ستذبحني سارة إن تأخرت أكثر ! "
رافقتها إلى الباب الخارجي ، و قلت لها قبل أن تنصرف :
" نهلة ... لا تذكري ما دار بيننا على مسمع من أحد ... أرجوك "
نهلة ابتسمت ابتسامة مطمئنة ، ثم غادرت ...
عندما عدت إلى غرفتي وجدت دانة هناك !
ما أن رأتني حتى بادرت بسؤالي :
" بربك رغد ! ماذا تقصدين من تصرفك الأحمق هذا ؟؟ لقد كادت السماعة أن تتصدع من صرختك ! أخشى أن تكوني قد أحرقت الأسلاك بين المدينتين ! "
لم يكن لدي مزاج مناسب للجدال مع دانة هذه الساعة ، قلت بنفس ٍ متضايقة:
" أخرجي دانة ، أريد البقاء وحدي "
دانة نظرت إلي باستنكار ، ثم قالت :
" لا تطاقين يا رغد ! متى أتزوج و أتخلص منك !
ثم مضت مغادرة ، و قبل أن تخرج قلت :
" قريبا يا ابنة عمي ... ماذا بعد ؟؟ أهذا يكفي ؟؟ "
و صفعتُ الباب خلفها ...
اعتقد أن تصرفاتي لم تكن لائقة لهذا اليوم ، بل و منذ رحيل وليد و أنا في حالة عجيبة ... عصبية دائما ، حزينة دائما ، ضائقة الصدر ... منعزلة في غرفتي ... فاقدة الاهتمام بأي شيء من حولي حتى الرسم ...
و مع مرور الأيام ازدادت حالتي سوءا ... و بدأ العد التنازلي لموعد الزفاف ... لموعد النهاية ... لموعد الحلقة الأخيرة من مسلسل حياتي التعيسة ...
لو كان لي أم ... لو كان لي أم تخصني أنا ... لا تكون هي أم سامر ... لكنت أخبرتها بكل ما يختلج صدري من مشاعر ...
لكنت أخبرتها بما أريد و ما لا أريد ...
أمي هذه ، أم سامر خطيبي ... العريس المتلهف للزفاف ، و إن حاولتْ التحدث معي ، أتحاشاها و اخفي في صدري ما لم أعد قادرة على كتمانه ...
كيف لي أن أخبرها بأنني لا أريد أن أتزوج من ابنها ، الذي خطبت ُ له منذ أربع سنين !؟
كيف سيكون موقفي من سامر ... و أبي ...و الجميع ...
و لماذا أفعل هذا بهم ؟؟
أيكون هذا جزاء من آووني و رعوني كل هذه السنين ، التي لم أشعر فيها أبدا بأنني يتيمة الأبوين ...؟؟
عدا عن ذلك ...
فأي رجل سأتزوج ما لم أتزوج سامر ؟؟ من سأعطيه ثقتي المطلقة مثله ... ؟
حسام الذي لا يختلف عنه كثيرا ؟؟
أم ... وليد ...الذي ...
الذي ... لم أعد أعني له شيئا ...؟؟
وليد ... الكذاب !
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
كذاب !
كلمة قاسية هزتني و أربكتني حتى كدت معها أوقع هاتفي من يدي ...
لها الحق بنعتي بهذه الصفة .. ألم أعدها ألا أرحل بدون علمها ثم رحلت ؟؟؟
لكن لماذا تأثرت ْ هي كثيرا من ذلك ؟؟
ماذا كان يفرق لديها ... بقائي من رحيلي ؟؟
أم تظنني سأبقى أرعاها و أدللها كما كنت في السابق ، فيما هي زوجة لأخي !
الخائنان !
كنت في سيارتي في طريقي إلى الشقة الصغيرة التي استأجرتها ، و دفعت مبلغا لا بأس به لأجل ذلك ، على الرغم من نقودي المحدودة التي تتضاءل يوما بعد يوم .
بحثت جاهدا عن وظيفة في هذه البلدة ، و كلما صادفت أعلانا عن وظيفة شاغرة في الصحف بادرت بالاتصال ، رغم أنني لا استوفي شيئا من الشروط المطلوبة ...
كانت أيام سبعة قد انقضت منذ وصولي إلى هذه البلدة ، و هي فترة قصيرة طبعا ، ألا أنني شعر بملل و وحدة قاتلين ... و فكرت في العودة إلى مزرعة نديم !
إنني أشعر بأن أهل نديم هم أهلي ... و إن لهم حق واجب علي ... و علي تأديته ...
لذا ، فإنني غادرت الشقة ، ذهبت إليهم ... في اليوم التالي .
عندما وصلت ، كانت ابنة نديم هي أول من التقيت به ...
الفتاة كانت جالسة بين مجموعة من الصناديق الخشبية ، منهمكة في إصلاح و تجبر كسورها بالمطرقة و المسامير !
ألقيت التحية فلم تسمعني ، فعدت أحيي بصوت مرتفع فانتبهت لي ...
رمت الفتاة بالمطرقة جانبا و نهضت واقفة و قالت :
" مرحبا بك أيها السيد النبيل ... "
هبطت ببصري أرضا و قلت :
" كيف أحوالكم ؟ "
" الحمد لله . ماذا عنك ؟ "
" بخير سيدتي . ... هل العم إلياس موجود ؟ "
" خالي ذهب لجلب بعض الأشياء ... سيعود قريبا ... تفضل "
و أرادت مني أن اتبعها إلى المنزل ، لكنني قلت :
" سوف أنتظر العم ... إذا لم يكن في ذلك ما يزعجكم ؟ "
قالت :
" لا بأس ، أهلا بك ... سوف أخبر والدتي عن مقدمك "
و ذهبت مسرعة إلى المنزل ...
أنا جعلت أتأمل طابور الصناديق المكسورة التي تنتظر دورها في التجبير !
إنها مهمة شاقة لا تناسب المرأة !
أليس كذلك ؟؟
بعد قليل أتت السيدة الأم مع ابنتها ، ترحب بي بحرارة و كأنها تعرفني منذ زمن !
شعرت بالخجل من ذلك ، و لكن يبدو أنه وضع مألوف لدى هذه العائلة الغريبة !
قلت و أنا أنظر ناحية الصناديق :
" دعاني أتولى ذلك "
طبعا السيدتان اعترضتا ألا أنني قلت :
" ريثما يعود العم إلياس "
و رغم أنها المرة الأولى التي أقوم فيها باستخدام المطرقة و المسامير ، ألا أنني أتقنت العمل !
في الواقع ، شعرت بالخزي من نفسي ... فأنا عاطل عن العمل أتسكع في المدن و الشوارع ، بينما تقوم فتاة شابة في العشرينات بإصلاح كسور صناديق خشبية ، و قطف الثمار ، و حمل الصناديق الثقيلة ، و الحرث و الزرع و ما إلى ذلك ...
أمر مخز بالفعل !
بعد قليل وصل العم إلياس و ما أن رآني حتى أسرع نحوي يريد أخذ المطرقة مني يدي ...
قلت :
" مرحبا أيها العم الطيب ! لا تقلق ... إنه عمل يسعدني كثيرا ! "
اعتقد أنه شعر بالخجل ، و رحب بي بحرارة تفوق حرارة ترحيب الأخريين ، و تمتم بعبارات الشكر و بسيل من الدعوات و الأماني !
أنهيت عملي خلال ساعة ... أمطرني الجميع بكلمات الشكر اللانهائية ... شعرت حينها بأنني شخص ذو قيمة و أهمية و قدرة على العمل و إفادة الآخرين ... بعد شهور التفاهة و البطالة و التشتت التي قضيتها ...
قال العجوز :
" أعطاك الله القوة و الصحة يا بني ، آمل أن تكون قد وفقت في العثور على وظيفة تلائمك ؟؟ "
قلت :
" ليس بعد ! "
قال :
" إذن ؟؟ "
قلت :
" هل ... أجد عندكم عملا مقابل المأوى و الطعام فقط ، إلى أن أجد وظيفة ملائمة ؟؟ "
ستة أسابيع مضت منذ أن اقتحمت عالم الفلاحة ، و أصبحت مزارعا !
شيء لم أكن أحلم به أو أتخيله حتى يمر ببالي مرورا عابرا ... فقد كنت أحلم بأن أصبح رجل أعمال مهم ... مثل صديقي سيف ...
في كل صباح ، كنت أقوم بحرث الأرض ، و زرع البذور ، و قطف الثمار و تنظيف المزرعة ، و إصلاح كل مكسور ، الصناديق ... أنابيب المياه ، الأغصان !
و قبيل الظهيرة أذهب لبيع ثمار اليوم في سوق الفاكهة ، و حين أعود أتابع العمل في هذا الشيء أو ذاك ... عمل شبه مستمر حتى غروب الشمس ...
وجباتي الثلاث كنت أتناولها إما مع العم إلياس أو في الغرفة الجانبية التي خصصت لي ، خارج المنزل ...
رغم أنه كان عملا شاقا ألا أنني سررت به كثيرا بل و وجدت فيه ذاتي التائهة ... و تعلقت بعائلتي الجديدة كما تعلقت هي بي ...
أما عن صحتي ، فقد تحسنت كثيرا مع تحسن نفسيتي ، و اختفت الآلام تقريبا و كسبت عدة أرطال من الوزن !
و أفضل ما في الأمر ... أنني تقريبا أقلعت ُ عن التدخين !


اليوم تلقيت اتصالا من والدي يخبرني فيه بأنه و أمي سيسافران لأداء الحج بعد الغد ، و يرغبان في رؤيتي ... أمر يتطلب مني العودة إلى المنزل رغما عني ...
أمر ٌ و إن كان صعبا فإن علي تحمله من أجل رؤيتهما ... ليلة واحدة فقط ثم أرحل عن ذلك المنزل و من به !

هكذا كان تفكيري قبل أن يقول أبي :

" و لأن سامر لا يستطيع أخذ إجازة لكونه حجز أجازته بعد عودتنا من أجل الزواج ، فلا بد من بقائك هنا حتى نعود ! "


قلبت الأفكار في رأسي و وجدتها مهمة يصعب علي تحملها ، فقلت :

" لا أستطيع ذلك يا أبتي ... سآتي من أجل تحيتكما فقط ... "

قال :

" و من يبقى لرعاية المنزل و الفتاتين إذن ؟؟ "


أنا ؟؟

أ أعود أنا لأرعى تلك الخائنة من جديد ، و أعيش معها أيام استعدادها للزفاف ؟؟
لم تبق غير أسابيع ثلاثة عن ذلك الموعد المشؤوم ! إنني أفضل السفر إلى المريخ أو المشتري على العودة إليها ... ومشاهدتها عروسا تودع العزوبية !


" لا يمكنني ... يا أبي ... "

" في حال كهذه ... لا أملك غير تأجيل حجي للعام المقبل ! "

" أوه كلا أبي ... مادمتما قد عقدتما العزم ... فتوكلا على الله ! "

" و الفتاتان ؟؟ أ أتركهما وحدهما في البيت ؟؟ مستحيل طبعا "


أشياء كثيرة تبدو مستحيلة جدا ، ألا أنك حين توضع في وجه التيار ، تجد نفسك مضطرا لتنفيذها رغما عن أنفك ، مستقيما كان أو معقوفا !



خلاصة القول ، رضخت للأمر ... و وافقت على العودة إلى جهنم ...



كنت أرتب أشيائي في حقيبة سيارتي حين أقبل العم و معه الآنسة أروى ، ابنة نديم و وقفا يراقباني ...


قال العم :

" نحن محزونون لفراقك ... أرجوك أن تعود إلينا من جديد فوجودك عنى الكثير "

ابتسمت له بفرح ، و قلت :

" بالطبع سأعود يا عمي ، إن شاء الله ... ما أن يعود والداي من الحج حتى أوافيكم من جديد ... هنا عملي و في أي قطر من أقطار الأرض لن أجد الراحة كما أجدها هنا "

و هي حقيقة أدركها ... تماما


قالت أروى :

" نتمنى أن تحضر عائلتك لزيارتنا ذات يوم ! هلا ّ فعلت ؟؟ "

قلت :

" سأرى ما إذا كان ذلك ممكنا ... "

قالت :

" أ لديك شقيقات ؟؟ "

قلت :

" نعم ، واحدة فقط ، و شقيق واحد فقط أيضا "

قالت :

" أحضرها لزيارتنا ذات يوم ... سيعجبها المكان كثيرا "

" أنا واثق من ذلك ... "


و أغلقت حقيبة سيارتي ، ثم فتحت الباب و قلت مودعا :

" نلتقي على خير إن شاء الله بعد أسبوعين ... دعوا الأعمال الشاقة لأنجزها حين أعود "

و ابتسم العم ، و كذلك ابتسمت أروى ... ثم لوّحت بيدها مودعة ... !

أروى نديم ... فتاة قوية ... شخصية مميزة تستحق التقدير ... !

~~~~~~~~~~