عرض مشاركة واحدة
قديم 17-12-2004, 05:04 PM   #33
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تــــــــــــــــــــابع


و لا للحظة واحدة بعد النبأ القاتل ، استطعت أن أرتاح ...


متمدد على سريري منذ ساعات ... و أفكر في نهايتي البائسة ...



طلع النهار منذ مدة و امتلأت الغرفة ضوءا مزعجا ، أصبحت أكرهه ... بل و أكره الشمس التي أجبرت عيني على استقبال النور ...




نهضت عن السرير و أنا أحس بالآلام في جميع مفاصل بدني ... و ما أن جلست ، حتى وقعت أنظاري التائهة على أشلاء الصورة المبعثرة فوق أرضية الغرفة ..




أتيتها ، و التقطتها قطعة قطعة و كومتها فوق بعضها البعض و ضممتها إلى صدري ...




وضعتها في جيبي ، و هممت برمي أجزاء الورقة الممزقة ، لكنني لم أقو على ذلك ...



كيف لي أن أمح من الوجود شيئا جاءني منك ؟؟


آخر شيء جاءني منك ...


و آخر شيء سأستلمه على الإطلاق ...




كان الصباح الباكر ... حملت علبة سجائري و خرجت من الشقة و إلى الشارع ، و أخذت أتمشى ...



لم يكن هناك سوى بعض السيارات تمر بين الفينة و الأخرى ، و بعض عمال النظافة متناثرين في المنطقة بزيهم المزعج اللون ...




لم يكن في المنظر ما يبهج النفس أو يريح الأعصاب ...



بدأت أدخن السيجارة تلو الأخرى ، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يشعرني بالراحة المزيفة ...




تفكيري لم يكن صافيا ، ألا أنني عزمت على الرحيل عائدا إلى بيتي ...





بعد قرابة الساعتين ، عدت للشقة فوجدت سيف و قد خرج توه من دورة المياه بعد حمام منعش ، تفوح منه رائحة الصابون ...



ألقى علي تحية الصباح بمجرد أن رآني ، فرددت و أنا أشعر بالخجل من رائحة السجائر المنبعثة مني إزاء رائحة النظافة و الصابون الصادرة منه !




" هل نمت جديا ؟؟ لا تبدو نشيطا ! "



قال سيف ذلك ، و هو يدقق النظر في الهالتين السوداوين التين تحيطان بعيني الكئيبتين الحمراوين ...


لم يكن علي أن أجيب ، فقد جاءه الجواب بليغا من مظهري ...





قال سيف :


" أنني أفكر في الطعام ! أ لديكم في البيت ما يؤكل أم أفتش عن مطعم !؟ "



كان يقول ذلك بمرح و دعابة ، لكني كنت في حالة سيئة للغاية ... أسوأ من ان تسمح لي بأي تفكير لائق او ذوق سليم ، قلت :


" دعنا ننطلق الآن "



سيف تسمر في موضعه و حدق بي بدهشة ! لكن إشارات الإصرار الصارخة في عيني طردت من رأسه أي شكوك حول جديتي في الأمر من عدمها ...


" الآن ؟؟ "


" نعم ... لم علينا الانتظار للغد ؟؟ تبدو في قمة النشاط و لا ضير من السفر الآن "




سيف صمت قليلا ثم قال :


" عائلتك ... أتظن أنهم .... ... "



رفعت زاوية فمي اليمنى باستهتار و سخرية ثم تنهدت تنهيدة قصيرة و قلت :


" لم يعد لي مكان بينهم ... فكما نسوني طوال السنوات الثمان الماضية ، و عاشوا حياتهم دون تأثر ، عليهم اعتباري قد مت من اليوم فصاعدا ...
بل من البارحة فصاعدا "





لقد كنت محبطا و لا أرى إلا سوادا في سواد ...




بقيت واقفا عند الباب أنتظر أن يجمع سيف أشياءه و لم أبادر بمساعدته ، سيف لم يحاول مناقشتي في الأمر و إن كنت أرى الاعتراض مختبئا خلف جفونه


كان الوقت لا يزال باكرا ، ركبنا السيارة و انطلقنا ...


" سأمر لوداعهم "



نعم وداعهم

بعد كل الذي تكبلت من أجل العودة إليهم

بعد كل تلك السعادة التي عشتها يوم الأمس

بعد كل الحرمان و الضياع ...

أودعهم !

كيف لي أن أقيم معهم و قد انتهى كل معنى لوجودي ؟؟





لم يكن في الشارع غير القليل من السيارات و الناس ... و كان المشوار قصيرا




و حين وصلنا ، أركن سيف السيارة جانبا و نزلنا سوية .



كان والدتي هي من استقبلنا عند المدخل

و بمجرد أن دخلت ، أقبلت نحوي تعانقني و ترحب بي بحرارة ، و كأنها لم ترني يوم الأمس ...

قلت :


" سيف معي ... "



و كان سيف لا يزال واقفا خلف الباب ينتظر الإذن بالدخول




" دعه يتفضل ، خذه إلى غرفة المعيشة حيث والدك ، فغرفة الضيوف حارة الآن "


ثم انصرفت نحو المطبخ ، فيما فتحت الباب لسيف :




" تفضل "




و ذهبنا إلى غرفة المعيشة حيث كان والدي جالسا يقرأ إحدى الصحف ...




في الماضي ، كنت كثيرا ما أقرأ أخبار الصحف له !




" صباح الخير يا أبي "




والدي قام إلينا مرحبا بحرارة هو الآخر ... و اتخذ كلاهما مجلسه ، فيما استأذنت أنا و خرجت من الغرفة قاصدا المطبخ ، و تاركا الباب مفتوحا ، تشيعني نظرات سيف من الداخل !




هناك كانت والدتي واقفة عند الموقد و قد وضعت إبريقا كبيرا مليئا بالماء ليغلي فوق النار ...



ابتسمت لدى رؤيتي و قالت :



" لم أعلم أنك غادرت البارحة إلا بعد حين ... اذهبا أنت و سامر اليوم لشراء طقم غرفة نوم جديد ، سنعد لك غرفة الضيوف لتتخذها غرفة لك "




طبعا لم أملك من الشجاعة لحظتها ما يكفي لقول ما أخبئه في صدري ...


قلت ـ محاولا تغيير سير الحديث :



" هل تناولتم فطوركم ؟ "

" ليس بعد ، فسامر و الفتاتان لا زالوا نياما !"

و استطردت :

" سأعد لكم فطورا شهيا ... ، شغّل المكيف في غرفة الضيوف الآن ثم خذ الضيف إليها "


" حسنا "


و هممت بالانصراف ، فقالت أمي :

" قل لي ... أي طعام تود تناوله على الفطور يا عزيزي ؟؟ "



إنني لا أفكر بالطعام و لولا سيف لكنت اختصرت المسافة و ودعتكم و انتهينا ...

قلت بلا مبالاة :


" أي شيء ... "



ثم خرجت من المطبخ متجها إلى غرفة الضيوف لتشغيل المكيف .



كان الباب مفتوحا ، دخلت و ذهبت رأسا إلى المكيف فشغّلته و استدرت لأعود خارجا


فاصطدمت عيناي بشيء جعل قلبي يتدحرج تحت قدمي !


ربما كان صوت المكيّف هو الذي جعل هذا الكائن الحي يفيق فجأة ، و يفتح عينيه ، و يهب جالسا في فزع !




أخذت تنظر إلي بتوتر و اضطراب و تتلفت يمنة و يسرة ، بينما أنا متخشب في مكاني ... لا اعرف ماذا افعل !


ببساطة لا أعرف ماذا أفعل !



ثم ماذا ؟



رفعت الوسادة المربعة الشكل التي كانت موضوعة فوق حضنها و غطت بها وجهها و هبّت واقفة مستترة خلف الوسادة ، و ركضت نحو الباب !




" رغد انتظري ! "




توقفت ، و هي لا تزال تخبئ رأسها خلف الوسادة و أنا لا أزال واقفا مكاني لا أعرف ما أفعل من المفاجأة !




ربما أخطأت و شغلت المكيف على وضع التدفئة ! الجو حار ... حار ... حار !




و قطرات العرق بدأت تتجمع على جبيني و شعري أيضا ... !




اعتقد أنه موقف لا يترك للمرء فرصة للتفكير ، ألا أنني تذكرت سيف ، و هو يجلس في موقع يسمح له برؤية العابر في الممر ... و الباب مفتوح !



" أأ ... صديقي هنا ... سأغلق الباب ... لحظة ... "






كانت تقف قرب الباب و حين أتممت جملتي تراجعت للوراء حتى التصقت بالجدار فسرت أنا نحو الباب و خرجت و عمدت إلى باب غرفة المعيشة فأغلقته دون أن أرفع بصري نحو سيف الذي و لا شك كان يراني ...




عدت بعدها للفتاة الملتصقة بالحائط و الوسادة ... وقلت باضطراب :



" أنا ... آسف ... لم أعلم ... أقصد لم أنتبه ... أأ... "



و لم أجد كلمة مناسبة !


مسحت العرق عن وجهي و قلت أخيرا :



" يمكنك الذهاب "



و أوليتها ظهري ، و سمعت خطاها تبتعد مسرعة...



تهالكت على نفس المقعد الكبير الذي كانت رغد نائمة فوقه و شعرت بالحرارة تزداد ...


لقد كان دافئا بل و حارا أيضا !


ما الذي يدفعك للنوم في هذا المكان و بدون تكييف !؟


و تتدثرين بالوسادة أيضا !


يا لك من فتاة !


لا أعرف كيف تسللت ابتسامة إلى قلبي ...


لا ! ليست ابتسامة بل شيء أكبر من ذلك


إنها ضحكة !


لم يكن ظرفا مناسبا للضحك و حالتي كما تعرفون هي أبعد ما تكون عن السعادة ، لكنه موقف أجبر ضحكتي على الانطلاق ...




لم يطل الأمر ... وقفت ، و أخذت أحدق بالمقعد الذي كانت رغد تنام عليه ... ثم أتحسسه بيدي



عندما كانت رغد صغيرة ، كنت أجعلها تنام فوق سريري و أظل أراقبها بعطف ...


و أداعب شعرها الأملس ...


كانت تحب أن تحتضن شيئا ما عند النوم ... كدمية قماشية أو بالونة أو حتى وسادة !



و كم كانت تبدو بريئة و ملائكية !



لم يكن لضحكتي تلك أي داع لأن تولد وسط مجتمع الدموع الحزينة ، سرعان ما لقت حتفها بغزو دمعة واحدة تسللت من بين حدقتي قهرا ... و حسرة ... على ما قد فقدت ...





~ ~ ~ ~ ~ ~