04-01-2005, 12:04 PM
|
#74
|
(حلا نشِـط )
|
تــــــــــــابع
كل هذا و عيناه محدقتين في الصحيفة !
حملت الصينية و سرت نحو الباب ...
" رغد "
نطق باسمي بغتة كدت معها أترنح و أسقط الصينية من يدي بما حوت !
التفت إليه فرأيته ينظر إلي ...
قلت :
" نعم ؟؟ "
فجاء صوتي أشبه بصوت تلميذة نسيت حل الواجب و تقف بذعر أمام معلمتها !
قال :
" هل أجلب لكما طعاما للعشاء من أحد المطاعم ؟؟ "
قلت بسرعة :
" ماذا ؟؟؟ لا ! "
قال :
" و لكن هل ستتركين ضيفتك دون عشاء ؟ "
" لا تهتم ، إنها نهلة لا غير ! ... "
" و لكن ... حسنا ... كما تشائين "
و عاد يطالع الصحيفة...
هممت أنا بالإنصراف ، ثم توقف و قلت :
" لا تخرج وليد "
فرأيت عينيه تنظران إلي من فوق الصحيفة ... بحدّه !
أسرعت خطاي نحو غرفتي حيث نهلة ، دفعت إليها بالصينية فأمسكت بها و أنا تهالكت على السرير !
" حمدا لله على السلامة ! "
ضحكت من تعليق نهلة رغم أنني لا أجد الوقت مناسبا للضحك !
قلت :
" مرعب يا نهلة ! اليوم يبدو مخيفا جدا ! كالفهد الأسود ! "
" صحيح ؟؟ دعيني أرى ! "
" أوه نهلة ! توقفي عن ذلك ! "
ضحكت نهلة و وضعت الصينية على المنضدة و أحضرت لي العصير و هي تقول :
" خذي اشربي ، فأنت ِ تبدين كاللبؤة الحمراء ! "
أخذت منها الكأس و رشفت رشفة صغيرة ...
" بارد جدا ! "
قالت نهلة :
" أنت حارة جدا ! هيا اشربيه ! "
بعدما فرغنا من شرب العصير ... قلت :
" اليوم ... بدا مستاء ً من شيء ما ... عندما يكون مغتاظا فإنه يصبح ... يصبح ... جذابا جدا ! "
نهلة كتفت يديها و قالت :
" رغد ! عدنا للجنون ؟؟ ! "
كلمتها هذه أيقظتني من غفوتي القصيرة في عالم الوهم ...
و حين رأت نهلة تعبيرات الأسى تعود للظهور على وجهي قالت بعطف :
" عزيزتي ... أنا قلقة بشأنك و أخشى ... أن تحطمي نفسك بهذا الشكل "
وقفت كشخص يخرج من البحر ... و يرفع رأسه للأعلى محاولا الفرار من الأمواج التي لا شك مهلكة إياه ... و قلت :
" إن كان علي أن أعيش مع شخص لا أحبه طوال عمري ، فهل كثير علي أن أسعد نفسي بأوهام عابرة قبل الغرق في بحر الواقع ؟؟ "
وقفت نهلة ازائي و قالت :
" لم يفت الأوان بعد ... إن أردت أن تتشبثي بطوق النجاة ... "
طردت الأفكار السخيفة التي غزت رأسي لحظتها ، و هززت رأسي لأتأكد من نثرها خارجا ...
ثم قلت :
" دعينا من ذلك ، ما رأيك بالخروج معي إلى السوق غدا سأشتري ملابس للعيد !؟؟ "
نهلة استجابت لرغبتي في محي الألم ، و قالت مشجعة :
" فكرة رائعة ! "
بعدما انصرفت نهلة ، و كان ذلك قرابة العاشرة مساءا ، بحثت عن وليد فوجدته يشاهد التلفاز في غرفة الضيوف ...
" وليد "
لم يجب ، فقط نظر إلي ...
" أنا آسفة لكنني أخشى البقاء في البيت مع ابنة خالتي وحدنا "
لم يعلّق !
قلت :
" دانة لم تعد "
" أعرف "
" أأ ... أردت أن أطلب منك شيئا ... إن سمحت "
" تفضلي ؟؟ "
" غدا أود الذهاب إلى بيت خالتي لأصطحب نهلة إلى السوق ... ممكن ؟؟ "
" حسنا "
و أبعد نظره عني ، إلى التلفاز !
قلت :
" أترافقنا إلى السوق ؟ "
قال بنفاذ صبر و ضيق :
" ألم أقل حسنا ؟؟ إذن حسنا "
لم تعجبني الطريقة التي تحدث بها ... و لكني أردت أن أوضح الأمر أكثر :
" أعني أن تلازمنا أثناء التسوق ... أيمكنك ذلك ؟؟ "
قال بنبرة ضايقتني كثيرا جدا :
" نعم ، كما تأمرين يا ابنة عمي ... ألست هنا لحراستك ؟ سأنفذ وصايا خطيبك و والديه بدقة ، ماذا بعد ؟؟ "
وقفت مذهولة من جملته هذه ... فهل يظن هو أن وجوده يعني فقط مهمة حراسة و خدمة موكلة إليه سينتهي منها و يختفي من جديد ؟؟
هل أعني أنا له فقط مهمة مؤقتة مجبور على تنفيذها كارها ؟؟
قلت بانفعال :
" انس الأمر ، لن أذهب معك لأي مكان "
و خرجت من الغرفة بسرعة ، و إلى غرفتي ... و إلى دموعي !
دقائق و إذا به يقف عند الباب ...
" أنا آسف رغد ! أرجوك لا تبكي بسببي "
مسحت دموعي و قلت بعصبية:
" أنا الآسفة لأنني حملتك ما لا ترغب في تحمله ! و لكن من كان ليرافقني و أبي و سامر غائبان ؟؟ من كان سيهتم لأمري و أنا لا أهل لي سواكم ؟؟ "
قال :
" لم أقصد ... أرجوك لا تسيئي فهمي "
قلت :
" حسام لا يوافق أبدا على مرافقتنا إلى السوق و إلا لكنا ذهبنا معه ... إن هي إلا أيام و تتخلص من هذا العبء الثقيل و مني "
وليد قال بعصبية :
" قلت لك لم أقصد هذا .. سأرافقكما إلى حيث تشاءان توقفي عن البكاء الآن "
وليد كان مستاءا جدا كما ظهر من تعبيرات وجهه و انفعاله
كتمت دموعي رغما عنها ، و أنهيت المشادة بسلام ...
في اليوم التالي رافقنا إلى السوق و اشتريت الكثير من الحاجيات .. و الأسواق كانت مزدحمة جدا بالناس ! فغدا هو عيد الحجاج !
و كان من بين ما اشتريت هدية لدانة و أخرى لوليد ! طبعا لم أدعه يلحظهما ...
كان يسير إلى جانبنا و يساعدنا في حمل الأكياس ! و نهلة بين حين و آخر تلقي بتعليقاتها المداعبة حوله !
اعتقد أنني بالغت كثيرا في تسوقي ! و بالتأكيد شعر وليد بالضجر ... ألا أن وجوم وجهه منعني من تقديم أي اعتذار !
عندما أوصلنا نهلة إلى بيتها دخلت معها لبعض الوقت لألقي تحياتي على العائلة ، و خرج حسام و تحدث مع وليد ...
اخترت هدية لدانة هذه المرة علبة أنيقة لحفظ المجوهرات ، أما لوليد ـ و لأنني لا أفهم في هدايا الرجال و قلما أهدي أبي أ و سامر شيئا ـ فقد اشتريت له ميدالية مفاتيح أكثر جمالا و أناقة من ميداليته الحالية !
كنت سعيدة بما اشتريت ! هل ستعجبه هديتي ؟؟
عندما عدنا للبيت وجدنا دانة و قد دعت خطيبها لقضاء أمسية معها في المنزل ...
ما أن علم وليد بوجود نوار حتى سأل دانة :
" متى سيغادر ؟؟ "
قالت :
" منتصف الليل ! لم ؟؟ "
قال :
" مادام موجودا هنا إذن أستطيع الخروج قليلا ! "
و نظر باتجاهي ...
لم يكن باستطاعتي منعه ... لكنني اغتظت من إثباته مرة بعد أخرى بأنه يفتش عن أقل فرصة ليغادر المنزل ... و يبتعد عني ...
هذا أثار جنوني و سخطي الشديد !
و مرت الساعات و أنا وحيدة في غرفة المعيشة ... دانة تستمتع بوقتها مع خطيبها المغرور في ليلة العيد و وليد يتجول في مكان ما ... و أنا مرغمة على مشاهدة التلفاز وحيدة !
أوف ... متى يعود هذا ؟؟
و اقتربت الساعة من الثانية عشر منتصف الليل ... أنا أشعر بالنعاس و لكنني لا أستطيع النوم قبل أن يعود !
لماذا لم يعد حتى الآن ؟؟
هل فعلها و رحل ؟؟
طبعا مستحيل ...
كنت على وشك الاتصال به حين سمعت صوت الباب ينفتح ، فأسرعت نحو المدخل و رأيت وليد يدخل و يغلق الباب خلفه
حين رآني قال :
" ألا زلت ِ مستيقظة !؟ "
قلت بتوتر :
" لماذا تأخرت ؟؟ "
قال :
" هل حدث شيء ؟ "
قلت :
" و هل كنت تنتظر أن يحدث شيء حتى تعود ؟؟ لا تدعني وحيدة هكذا ثانية "
و زادني حنقا البرود الذي قابلتني به نظراته !
و ببساطة قال :
" حسنا "
ثم سار ذاهبا إلى غرفة سامر !
لماذا يعاملني بهذا البرود ؟؟ أكاد أجن ... لم لا يدع لي فرصة لأعطيه هديته ؟؟
بعد نصف ساعة غادر نوّار ، و تعجبت دانة لدى رؤيتي ساهرة لهذا الوقت أمام التلفاز !
" متى ستنامين ؟؟ "
" متى ما شعرت بالنعاس ! "
و تركتني هي و أوت إلى فراشها ... ففكرت في إهدائها الهدية غدا ...
الساعة الثانية عشر و النصف ، رأيت جاء وليد إلى غرفة المعيشة ...
كان شعره مبللا ... لابد أنه كان يستحم !
قال :
" ألم تنامي بعد ؟؟ "
قلت :
" لا أشعر بالنعاس ... أصابني الأرق و الإجهاد ! "
لم يكترث لي ، بل ذهب إلى المطبخ ، ثم عاد و مر بي قبل ذهابه للنوم ... قال :
" تصبحين على خير "
و أولاني ظهره ...
سيطر علي الغضب من إهماله لي ! قبل أن ينصرف ناديته بسرعة :
" وليد "
استدار إلي و لم يتكلم بل انتظر سماع ما سأقوله ...
أنا فقدت شجاعتي التي كنت أتوهم امتلاكي لها ... و وقفت بخجل و ارتباك و أنا اخفي العلبة خلف ظهري !
وليد راقبني بحيرة و ضجر !
اقتربت منه شيئا فشيئا و أنا مطأطئة الرأس خجلا و بالتأكيد وجنتاي متوهجتان احمرارا !
رفعت بصري بحياء و قلت :
" كل عام و أنت بخير "
ثم أظهرت الهدية و قدّمتها إليه :
" هذه لك "
لقد كانت يداي ترتجفان و أنا أقدمها نحوه ، و بالتأكيد لحظ هو ذلك ...
نظراتنا الآن متشابكة ... كنت أبحث عن أي كلمة شكر أو إشارة سرور ...
و أخيرا ابتسم وليد ابتسامة جميلة مذهلة و قال بارتباك ...
" و ... أنت ِ بخير ! ... أأ ... شكرا ! "
وليد مدّ يده و أمسك بالهدية ...
قال :
" هل أفتحها ؟؟ "
غضضت بصري حياء ً و قلت :
" كما تشاء "
و هم هو بفتحها ، بينما قلبي أنا يخفق بشدة !
لكن الصوت الذي سمعته ليس صوت انفتاح العلبة ، بل صوت انفتاح باب ...
رفعت نظري إليه و حدقنا ببعضنا برهة ، و نحن نسمع صوت باب المدخل ينفتح ...
شعرت بذعر ...
قلت :
" ما هذا ؟؟ "
وليد سار ببطء و حذر ذاهبا ناحية الباب و تبعته أنا بخوف ...
قال وليد قبل أن يصل إلى المدخل :
" من هناك ؟؟ "
أنا أردت أن أمسك بيد وليد من الذعر ... ربما يكون أحد اللصوص ...
وليد أشار إلي أن ألزم مكاني ، و تقدم هو نحو المدخل ...
أوشك قلبي على الوقوع أرضا ...
و للمفاجأة المذهلة رأينا سامر يظهر أمامنا !
وقفنا متسمرين في مكانينا في ذهول !
قال وليد :
" سامر !! "
سامر نظر إلينا بدهشة هو الآخر ، و قال :
" آه ! أنتم مستيقظون ؟ "
قال وليد :
" هل هناك شيء ؟؟ "
قال سامر :
" أردت أن أفاجئكم بظهوري غدا ! لكن أُفسِدت المفاجأة ! "
الآن سامر نظر إلي و ابتسم ، و قال :
" لم أشأ أن يمر العيد و أنا بعيد جئت أشارككم ! "
و أقبل نحوي ، و أمسك بيدي و قال :
" عروسي ... كل عام و أنت ِ بخير ! "
~~~~~~~~~~~~
|
|
|
|