عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-2004, 10:42 PM   #19
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تــــــــــــــــــــــابع




في تلك الليلة ، رأيت كابوسا أفزعني ...



رغد و سامر يلهوان بالدراجة الهوائية ، ثم يهويان في حفرة مليئة بالجمر المتقد

ثم تشتعل النيران و تكبر ، و تحرق منزلنا ...

و آتي صارخا أحاول إخراج رغد من الحفرة ...

و أمد يدي فإذا بي أخرج حزاما طويلا تأكله النيران ...

و أقرب وجهي من الحفرة ، فإذا بي أرى وجه عمّار في الداخل ، يبتسم ثم يقهقه

و أسمع صراخا يدوي السماء

صراخ رغد ...

" و ليـــــــــد ... أنا خائفة ... تعال "







أفقت من نومي مذعورا ، و العرق يبلل ملابسي و فراشي ، كما تبلل الدموع وجهي المفزوع ...




كنت أرتجف ، و أتنفس بصعوبة بالغة ... و بلا إدراك اهتف



" رغد ... رغد "




صديقي نديم أقبل نحوي و أخذ يهدئني و يطمئنني ...



" هوّن عليك يا وليد ... لم يكن إلا كابوسا "





لم أشعر بنفسي و أنا ارتمي على صدر نديم و أبكي بقوة و أهذي ...



" أريد العودة لأهلي ... دعوني أراهم و لو مرة واحدة ثم اقتلوني ... لا أريد الموت قبل ذلك ... أريد أن أحقق أحلامي ...

أريد أن أكمل دراستي ...

أريد العودة إلى رغد ...

كان يجب أن أقتله ...

انتظريني يا رغد فأنا قادم ... "








و نهضت كالمجنون ... و توجهت نحو الباب و أخذت أضربه بعنف و أصرخ :


" أخرجوني من هنا ... أخرجوني من هنا أيها الأوغاد "





لحق بي نديم ليمنعني من إثارة مشكلة ألا أنني أبعدته عني بركلة قوية من رجلي ... و ظللت أركل الباب بشدة و أنا مستمر في الصراخ ...






حضر مجموعة من الحراس و فتحوا الباب ، ثم انهالوا علي ضربا بعصيهم حتى شلوا حركتي ... و انصرفوا ...






لم يجرؤ أحد السجناء على فعل شيء حتى لا يلقى ذات المصير


و منع عني الطعام في اليوم التالي


تدهورت صحتي الجسدية و النفسية بشدة بعد تلك الليلة ، و قضيت عدة أسابيع طريح الفراش ...



و ربما هذا ما منع العساكر من تطبيق نظام التعذيب اليومي على جسدي ...

إلا إن أدركوا أنهم كانوا مخطئين !



جسدي ، و الذي كان ضخما و قويا ، تحول إلى عظام متراكمة فوق بعضها البعض
بلا حول و لا قوة ...












بعد فترة وجيزة ، صدر قرار يمنع زيارة السجناء ، و لم يعد سيف للظهور مجددا



و انتهى أملي الوهمي بالخروج من هنا ....

و استسلمت أخيرا لحياة السجون ....














حاولت أن أصف لكم بعض الذي قاسيته في ذلك السجن الذي قضيت فيه فترة شبابي اليافع ... و التي ضاعت سدا ...




فترة جافة قاسية أكسبتني جفافا و خشونة لم أولد بهما و لم أتربى عليهما
و غيرت في بعض طباعي ، و بدأت أدخن السجائر




كان الحارس يتصدق علينا بسيجارة واحدة ، ندور بها فيما بين شفاهنا جميعا ...

و تقتسم همومنا و نقتسم سمومها ....


















و مر عام آخر ...

و أكثر ...





ألمّ المرض بصديقي نديم من جراء التعذيب المستمر ...


كان على فراشه ، و كنت اعتني بجروحه و إصاباته التي لم شملت حتى أطراف أصابعه ...



" وليد .. "

" نعم يا عزيزي ؟ "

" يجب أن تخرج من هنا ... "




قال نديم ذلك ثم رفع يده و مسح على رأسي ، ثم وضعها فوق كتفي .


" يجب أن تخرج من هنا يا وليد و إلا لقيت حتفك "

" إنني هالك لا محالة ... لا جدوى و لا أجمل ... "

" افعل شيئا يا وليد و غادر هذا المكان ... إنك لا زلت شابا صغيرا ... "





كنت الأصغر سنا بين الجميع ، و أكثرهم تذمرا و شكوى ، و بكاءا ، ألا أنني هدأت و استسلمت لما فرضته الأقدار علي ... و لم يعد الأمر يفرق معي ...





ابتسمت ابتسامة استهتار و سخرية ، و يأس ...




نديم كان ينظر إلي بعين عطف شديد و محبة أخوية ... قال :




" اسمعني يا وليد ...
لدي مزرعة في المدينة الشمالية ، حيث كنت أعيش مع ابنتي و زوجتي ...
متى ما خرجت من هنا ... فاذهب إليهما و أخبرهما بأنني كنت أفتقدهما كثيرا
و أنني بقيت على أمل العودة إليهما دون يأس لآخر لحظة في حياتي ... "




" نديم ... "



قاطعني قائلا :



" لا تنس ذلك يا وليد ... و إن احتاجتا مساعدة منك ... فأرجوك ... ابذل ما باستطاعتك "




أقلقتني الطريقة التي كان نديم يتحدث بها ، هززت رأسي و قلت :




" لماذا تقول ذلك يا نديم ...؟ "




و انتظرت أن يجيب



لكنه لم يجب ...



و تحركت يده الممدودة على كتفي ، ثم هوت للأسفل ... و ارتطمت بالفراش ... و سكنت سكون الموت ...












إنا لله ... و إنا إليه راجعون ....














بعد سنتين من ذلك ...



و في أحد الأيام ...



و فيما أنا مضطجع على سريري بكسل و عدم إكتراث ، أدخن بقايا السيجارة

بلا مبالاة ، و انظر إلى السقف و أرى الحشرات تتجول دون أن يثير ذلك أي اهتمام لدي ...

إذا بالباب يفتح ، ثم يدخل بعض الضباط






معظم زملائي وقفوا في قلق ...


أما أنا ، فلم أحرك ساكنا ... و بقيت أراقب سحابة الدخان التي نفثتها من صدري ترتفع للأعلى ... و تتلاشى ...




" وليد شاكر "



هتف أحد الضباط ...

فقمت بتململ و التفت إليه ببرود

لم يعد يهمني إن كان لدي أي درس جديد في الضرب أو غيره ...




عاد الضابط يهتف بحدّة :



" وليد شاكر "




نهضت عن فراشي و وقفت ازاء الضباط و أجبت بضجر :




" نعم ؟ "




و أقبل بعضهم نحوي ، فرميت بالسيجارة أرضا و سحقتها باستسلام ...




أمسكوا بي و قادوني نحو الباب ، فسرت بخضوع تام ...




عندما صرت أمام الضابط الذي ناداني ، رمقني بنظرة احتقار شديدة

و هي نظرة قد اعتدت عليها و لم تعد تؤثر بشعوري ...



قال :


" وليد شاكر ؟ "


أجبت :


" نعم أنا ، و لا علاقة لي بالسياسة ، أرجو أن تتاكد من ذلك جيدا "




رفع الضابط يده و صفعني على وجهي صفعة قوية كادت تكسر فكي ...




ثم قال :



" هذه تذكار "



التفت إلى زملائي و عيني تقدح بالشر ، و قابلتني نظراتهم بالتحذير ...


فكتمت ما في صدري ، ثم قلت :


" ثم ماذا ؟ "


ابتسم الضابط ابتسامة خبيثة دنيئة ، ثم قال :


" لاشيء ! فقط ... أطلقنا سراحك ! "