عرض مشاركة واحدة
قديم 18-01-2005, 03:12 PM   #77
$$ كن كن $$
(حلا نشِـط )
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Oct 2004
رقم العضوية: 2278
المشاركات: 122
عدد المواضيع: 19
عدد الردود: 103


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
$$ كن كن $$ is on a distinguished road

$$ كن كن $$ غير متصل
افتراضي

تــــــــابع

هنا عند هذه اللحظة تمزّقت أوهامي ...
فإن كان قد أضاع هدية أعطيتها له مساء الأمس ...قبل أن يفتحها ... فكيف بماض ولى منذ تسع سنين ؟؟


و إدراكي لحقيقة أن وليد لم يعد وليد ... قتل كل رغبة في الحياة و السعادة لدي ...

الأيام التالية قضيتها حبيسة الغرفة في أنهار من الدموع ... حتى أن دانة و التي عادة ما تتهمني بأنني أتدلل بدموعي هذه بدأت تقلق بشأني و صارت تحضر لي الطعام إلى غرفتي ...

زارتني نهلة ، و خالتي ... الجميع يحاول التحدث ليعرف سبب حزني ألا أنني لم أكن أدع الفرصة لهم ...

و عندما تتصل أمي أكتفي بكلمات بسيطة معها أو مع أبي ، و أعود إلى غرفتي ...

أما سامر ، فقد كنت أتحاشى الحديث معه قدر الإمكان ...

في إحدى الليالي ، جاءتني دانة و قالت بمرح ـ محاولة بث البهجة في قلبي ـ

" رغد ! أنت مدعوّة على العشاء معي و مع وليد في أرقى مطاعم المدينة ! هيا بسرعة وليد ينتظرنا "

هي نظرة عابرة ألقيتها على دانة ثم أشحت بوجهي عنها و قلت :

" لن أذهب "

" ماذا رغد ! هيا لا تدعي الفرصة تفوتنا ! "

" لا أريد دانة رجاء ً دعيني وحدي "

دانة اقتربت مني ... و قد غطت وجهها تعبيرات القلق و قالت :

" هيا رغد ! "

هززت رأسي اعتراضا ، فقالت :

" إذن سنذهب و نتركك وحدك ! "

كانت تعرف أن نقطة ضعفي هي الوحدة ... و أتت تستخدمها كسلاح لجبري على الذهاب معهما ...

حدقت بها لبرهة ثم قلت :

" افعلا ما تشاءان "

رفعت حاجبيها دهشة و قالت :

" رغد ! معقول ! هل تخلّصت من الخوف ! "

قلت بعصبية :

" اذهبا و اتركاني وحدي ... دعيني وحدي يا دانة ... دعيني وحدي ... "

و انخرطت في بكاء مرير ...



دانة خرجت ... و بعد قليل عادت مع وليد ...





~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




أحوال صغيرتي كانت غريبة ، و أصبحت مقلقة آخر الأيام ...

في الواقع هي كانت مستاءة جدا منذ أن قدمت ، ألا أن استياءها ازداد مؤخرا ...

كانت تحبس نفسها في الغرفة ، و لا تشاركنا لا الطعام و لا الكلام .

قررت أن نخرج معها لتناول العشاء في أحد المطاعم و من ثم التنزه فعلّ ذلك ينعشها ... ألا أن دانة أخبرتني بأنها رفضت القدوم معنا و قالت لها
( اذهبا و دعوني وحدي )

في السابق كانت دانة تترجم تصرفات رغد على أنها تدلل ، فهي متدللة جدا ... ألا أنها الآن قالت :

" أنا قلقة يا وليد ... هناك شيء تخفيه عنا ... لا أعرف ما الذي يحزنها هكذا "


كنت خلال الفترة الأخيرة أتحاشى اللقاء بها ، فلا قلبي و لا معدتي بقادرين على تحمل المزيد ... ألا أنني هذه اللحظة لم أتمالك نفسي و ذهبت مع دانة إلى رغد ...


الأخيرة كانت في غرفتها تبكي بغزارة تفطر قلب الحجر ... فكيف بقلبي أنا ؟؟


حاولت التحدث معها ألا أنها لم تستجب لي ، و قالت بعصبية :

" اخرجا و دعاني و شأني "

بقيت أيام على موعد عودة والدي ّ من رحلة الحج ... ربما يعود كل شيء على ما كان بعد عودتهما ...

و لكن إلى ذلك الحين يجب أن أفعل شيئا !



صبرت ساعة أو ما شابه ، ثم عدت إليها بمفردي ... و للأسى وجدتها لا تزال تبكي ...


" رغد ... انهضي ... دعينا نذهب لأي مكان تحبين ! "

ما وصلني منها أي جواب ...

كانت تجلس على السرير و تضع الوسادة في حضنها ...

" رغد ... ما بك ؟؟ أخبريني ؟؟ "

" لا شيء "

" إذن لم تبكين ؟ "

" لا لسبب "

" أرجوك ... أبلغيني بما يزعجك ؟؟ "

" قلت لا شيء "

" ربما أنا ؟؟ "

حين قلت ذلك نظرت إلي رغد نظرة غريبة مليئة بالمعاني ...

" إن ... كنتِ منزعجة بسببي ... فأنا آسف ... ما هي إلا أيام معدودة و يعود والداي و سامر ... "

عندها أغمضت رغد عينيها و ارتفع صوت بكائها المرير ...

كيف لي أن أحتمل رؤيتها هكذا ؟؟

بصعوبة بالغة منعت يدي من التربيت على كتفيها ... و لكنني لم أستطع منع نفسي من قول :

" صغيرتي الغالية كفى أرجوك ... لا أحتمل دموعك "

رغد قالت :

" أخرج "

و كررت الكلمة مرتين ، فغادرت الغرفة و أنا في قعر التعاسة و الكآبة ...



عند الفجر كنت في طريقي للخروج من المنزل قاصدا المسجد ...

فيما أنا أمر من غرفة المعيشة سمعت صوتا يصدر من هناك ...


سرت بحذر حتى دخلت الغرفة ، و أذهلتني رؤية رغد تبكي و تنحب هناك

" رغد ! "

التفتت إلي رغد بذعر إذ يبدو أنها لم تنتبه لقدومي ... ثم نهضت واقفة بارتباك ...


تقدمت منها ، و قلت :

" بالله عليك أخبريني ... ما بك ؟؟ "

رغد أرادت الخروج لكنني وقفت سادا فتحة الباب مانعا إياها من الخروج

" أخبريني ما بك أولا "

" دعني و شأني "

" لن أدعك حتى تخبريني "

" و لم تود أن تعرف ؟؟ ماذا يهمك أنت ؟؟ "

" يهمني كل شيء يتعلق بك ... كل شيء "

" كذّاب "


انقبضت عضلاتي استياء ً ... و استدرت للمغادرة ...

خطوت خطوتين ، و توقعت أن تخرج رغد من بعدي ، ألا أنها لم تخرج ...

عدت إلى الغرفة فرأيتها جاثية على الأرض باستسلام تام للدموع ...

نفس الجلسة التي كانت تجلسها و هي طفلة ، حين يعتصرها الألم ...


دنوت منها حتى صرت ازاءها مباشرة ، و انحنيت و قلت بصوت أجش :

" أرجوك يا رغد .. أرجوك توقفي عن هذا و أخبريني بما يزعجك ، و أيا كان ... أنا سأزيحه عنك نهائيا "

رغد رفعت نظرها ... كأنها تطلب التأكيد ...

قلت :

" أي شيء يضايقك و يحزنك لهذا الحد ... أبلغيني و أنا أبعده عنك .. "

" صحيح ؟؟ "

" نعم يا رغد ، لا تظني أنني فقط أكذب و أدعي ... لا تعرفين كم هي غالية دموعك عندي ... "

" مهما كانت غالية ... هناك ما هو أغلى ... و هناك ما لا يمكن فعله أبدا"

" أخبريني أنت فقط ، و سترين "

رغد هزت رأسها نفيا ... و قالت :

" لا لن تفعل ! لن تستطيع شيئا ! "

" أخبريني ماذا تريدين ؟؟ "

" أريد أمي "

قلت بتعجب :

" تريدين أمي !؟؟ "

هزت رغد رأسها اعتراضا و قالت في صيحة قاتلة :

" أريد أمي أنا ... لا أمك أنت ... أنا أريد أمي ... فهي من يستطيع مساعدتي ... لو بقيت حية ... لا أحد منكم يستطيع ... هل يمكنك إحضارها إلي ؟؟ "


فوجئت بقولها هذا و شعرت بشرايين قلبي تتفجر بعنف ...

أيعقل أنها لا تزل تفكر في أمها ـ التي لم تعرفها يوما ـ حتى الآن ؟؟

أتقصّر أمي في شيء للحد الذي يجعل رغد تبحث عن المساعدة من أمها الراحلة منذ 15 عاما ؟؟

بعدما انتهت من نوبة بكائها قالت بتحد ٍ :

" هل تستطيع إحضار أمي إلي ؟؟ "

وجدت نفسي أقول :

" اعتبريني أنا أمك ... "

ثم أضفت :

" ألم أكن كذلك ذات يوم ؟؟ "

نظرت إلي رغد بيأس ...

قلت :

" لطالما كنت ِ تعتمدين علي و تثقين بي ... "

و لما لم أجد منها تفاعلا ... نهضت و أنا أقول :

" سأذهب لتأدية الصلاة "



عدت من الخارج بعد قليل ، و لم أجدها ... ذهبت إلى غرفة سامر و اضطجعت على سريره و أخذتني دوامة الأفكار إلى عالم من المتاهات و الدهاليز ...


تذكرت ... يوما كنت فيه في غرفتي بمنزلنا القديم ، و سمعت طرقا خفيفا على الباب ... و حين فتحته ، وجدت رغد تبكي بألم ... مليئة بالخدوش و الكدمات ...


أعتقد أنني تعلقت بها ابتداء ً من ذلك اليوم ... و لا أعلم انتهاء ً بأي يوم ؟؟

فجأة ... سمعت ُ طرقات خفيفة بالكاد التقطتها أذناي ، ما يدل على تردد اليد الطارقة ...


قمت و فتحت الباب ... و وجدت رغد تقف عنده ...

كانت عيناها شديدتي التورم و الاحمرار ، و وجهها شديد الحزن و الكآبة ...

قلت :

" صغيرتي ... "

ما أن نطقت بذلك حتى قفزت الدموع من عينيها ... حاولت تهدئتها ... فمسحت الدموع و لملمت شيئا من شتات قوتها و همت بالكلام ... لكن التردد كان مسيطرا عليها ...

قلت مشجعا :

" نعم صغيرتي ... قولي ما تودين ؟ "

ازدردت ريقها و سحبت عدة أنفاس ... ثم نظرت إلي نظرة مريرة ...

تراجعت ، و خطت خطوة للوراء لكنني استوقفتها :

" هيا رغد ... أنا أسمعك "

" لن تستطيع مساعدتي "

" بلى سأفعل ... قولي ماذا يحزنك ؟؟ "

هنا انفجرت بالبكاء و غطت وجهها بيديها و قالت بصوت متقطع :

"أنا ... أنا ... لا أريد أن ... أتزوج سامر "




لقد كان ذلك هو آخر شيء أتوقعه على الإطلاق ... الذهول الذي أصابني و هول المفاجأة لم يدعا لي فرصة للتفكير ... أو حتى استيعاب الموقف
ألا أن الألم و المرارة التي رأيتها في عيني رغد وهي تستنجد ... و تبحث بيأس عن شخص ينقذها رغم كل اعتبار ... و القنوط الذي دفعها للتفكير في أمها المتوفاة منذ إن كانت هي طفلة صغيرة ... و شعوري بالمسؤولية عليها ... كلها أمور امتزجت مع بعضها البعض و دفعتني في النهاية لقول :

" اطمئني ، لن يكون لك إلا ما تريدين "

الآن ، دخلتُ مرحلة جديدة ... و بدأت الحلقة الأولى من سلسلة المصاعب التي واجهتها فيما بعد ...

حين سألتها ساعتها :

" تقصدين ... تأجيل الزفاف ؟؟ "

قالت و هي تنفي :

" لا أريده ... أنا لا أريده "

و عندما سألتني قبل انصرافها :

" أحقا ؟ تستطيع فعل شيء لأجلي ؟ "

أجبتها :

" أي شيء ... مهما كان .. ثقي بي "




فأي شيء أغلى و أهم عندي من راحة و سعادة رغد ؟؟

في النهار التالي بدت هي أكثر راحة و ابتهاجا ، و خرجت من عزلتها و بدأت تعود للحياة ...

شاركتنا الوجبات و الجلسات ، و النزهات ... و بدت لحد ما راضية ...

حتى أن دانة قالت لي تعليقا على تقلب أحوال رغد :

" أ رأيت ! قلت لك ! سبحان مقلّب الأحوال ! "



في يوم الأربعاء التالي ، يوم حضور سامر للزيارة ، بدت في غاية التوتر و القلق ...

طلبت منها أن تذهب إلى بيت خالتها ، كما صرفت دانه مع خطيبها بشكل ما ، و بقيت وحدي في البيت أنتظر ...


عندما حضر سامر استقبلته استقبالا طبيعيا ، و حين سأل عن الاثنتين أبلغته عن أمرهما ...

~~~~~~~~~~~~