لبنان المكتظ بالسلاح والميليشيات، وبأكثر من 80 ألف صاروخ "لتحميه من إسرائيل"، لم يتمكن من حماية أحد مواطنيه في المنطقة التي يقيم فيها بالذات، فقضى الأب لأربعة أبناء قتيلاً في وضح النهار أمام المارة والسكان، وبطعنات "داعشية" الطراز من الأبشع، ولولا قام أحد الجيران بتصوير سفك القاتل لدم القتيل، من دون أن يسعفه شاهد عيان قبل فوات الأوان، لظن من سيطالعون التفاصيل طعنة بطعنة، أنها من نسج الخيال، لكن ما حدث كان للأسف حقيقياً.
مساء أمس الخميس توفي اللبناني جورج إبراهيم الريف في "مستشفى الوردية" في بيروت، متأثراً بضرب عنيف، تلته طعنات سكينية وجهها إليه بعد عصر الأربعاء الماضي مواطنه طارق سمير تميم، لسبب من الأتفه، وشبيه بأسباب ما حدث في 1860 بلبنان بين الطائفتين المارونية والدرزية، لأن واحداً من كل طائفة كان راكباً حماره في درب جبلي، ولم يسمح لحمار الآخر بأن يتجاوز حماره، فباضت دجاجة الفتنة مقتلة مذهبية وطائفية راح ضحيتها الآلاف وطالت سنوات.
طارق تميم، الذي يظهر معظم وجهه، راح يضرب جورج الريف أمام زوجته والمارة، ثم أجهز عليه بالسكين
".. ويتعاطى المخدرات باستمرار"
الريف وتميم اختلفا على أفضلية المرور بسيارتيهما، وعاند أحدهما الآخر وسط الطريق، مصمماً أن يمنعه من تجاوزه بسيارته، وبدلاً من أن ينتهي الإشكال على الطريقة اللبنانية، أي "بتبويس اللحى" وبلا غالب ولا مغلوب، انتهى بالتي هي أسوأ، فاعتقل الجيش اللبناني تميم أمس بعد أن سلم نفسه، وبدأ معه تحقيقاً. أما الريف القتيل بعمر 44 سنة، فسيوارون جثمانه الثرى كضحية لم تجد من يحميها.
تميم، المعروف باسم "طارق حبيب" أيضاً، هو واحد من مجموعة حرس مرافقين لأنطوان صحناوي، عضو "جمعية المصارف" اللبنانية، ورئيس مجلس إدارة "بنك سوسيتيه جنرال" المعروف في لبنان بأحرف SGBL اختصاراً، طبقاً لما جمعت "العربية.نت" ما تيسر عنه من معلومات، مصدرها وسائل إعلام لبنانية متنوعة، وأحدها نشر الخميس 6 أسطر، تضمنت الأهم، وهو موقع "النشرة" الإخباري.
قال الموقع إن تميم "من أصحاب السوابق" ودخل السجن مرات عدة "وكانت التدخلات السياسية (من قبل صحناوي) تساعد على إخراجه من السجن"، وأنه كان من أفراد مجموعة ارتكبت جريمة قتل في منطقة "الدكوانة" ببيروت، كما قام بالاعتداء على أحد الأساتذة في منطقة الأشرفية أيضاً "ويتعاطى المخدرات باستمرار"، وفق تعبير "النشرة" الذي لم ينسب ما نشره عن تميم إلى أي مصدر.
حاولت زوجة الريف منع تميم، فهاجمها وبعدها أسرع إليه بقبضته وسكينه، وانتهى به في المستشفى
لم يتركه إلا "مكوّماً" كدجاجة مذبوحة
وكل شيء بدأ بين الاثنين على خلفية من يمر قبل الآخر بسيارته حين تلاقيا صدفة على طريق المطار نحو بيروت، وتلا الخلاف المروري تلاسن سريع بين جورج الريف الذي كانت برفقته زوجته رولا في سيارته الميرسيدس، وتميم الذي كان جالساً بجانب صديقته، ليندا حيدر، حين كانت تقود به سيارتها المسجلة باسمها، وهي من طراز Kia Picanto الكورية الجنوبية، فلم تسمح ليندا للريف بأن يتجاوزها بسيارته التي كان متجهاً بها إلى منطقة الصيفي بوسط بيروت، فبدأت المطاردة.
وحين وصل جورج الريف إلى الصيفي، اعترضته ليندا حيدر بسيارتها، ربما بطلب من تميم، وأغلقت عليه الطريق، وبثوانٍ نزل تميم من "الكيا بيكانتو" منقضاً يعتدي عليه بضرب مبرح، دب معه الذعر في المارة وبمن أطلوا من الشرفات والنوافذ، ليروه يمعن في الريف بضرب هستيري، مع ركله بقدميه ثم طعناً بالسكين، على حد ما نراه في الفيديو الذي تعرضه "العربية.نت" نقلاً عن مواقع إخبارية كثيرة بثته.
زوجة جورج الريف حاولت منع تميم من متابعة هجومه عليه، وربما توسلت إليه بعد أن وجدت أن أكثر من 10 أشخاص كانوا في الشارع، ولم يتحرك أحد منهم لإنقاذ زوجها، بل ربما تلقت هي أيضاً صفعة أو لكمة من تميم الذي هجم عليها ليمنعها من عرقلته، في وقت فر فيه زوجها إلى الجهة المقابلة، فلاحقه تميم، واستفرد به هناك، ولم يتركه إلا "مكوّما" كدجاجة مذبوحة، فنقلوه من أثر الضرب إلى المستشفى بحالة حرجة لم يقو عليها، وفارق الحياة في اليوم التالي، أي أمس الخميس.
"كان تحت تأثيرها لحظة تم إلقاء القبض عليه"
موقع "ليبانون فايلز" الإخباري أيضاً، ذكر أن قلب الريف "توقف 3 مرات (في المستشفى) وتعرض لإصابات خطيرة في الدماغ"، وأن مديرية المخابرات في بيروت- الأشرفية، هي التي "تمكنت من توقيف الجاني"، أي أنه لم يسلم نفسه، بحسب ما ذكرت وسائل إعلامية أخرى. وأيضاً قال "فايلز" إن تميم يتعاطى المخدرات "وكان تحت تأثيرها لحظة تم إلقاء القبض عليه" وفقا لروايته. أما لندا حيدر، صديقة تميم، فاعتقلتها الشرطة أمس أيضاً، وبدأت تحقق معها.
وردت أيضاً اليوم الجمعة في موقع صحيفة "النهار" اللبنانية، معلومة نقلاً عن ابن القتيل، واسمه أندرو، وفيها قال إن تميم وصديقته هما من منطقة "بشامون" الواقعة في قضاء عاليه كضاحية من بيروت تطل على المطار، وأن القوى الأمنية داهمت منزله "لكنه لم يكن موجوداً"، فيما ذكر لها مصدر بقوى الأمن الداخلي أنه سلّم نفسه إلى القوى الأمنية.
طرحه أرضاً بالضرب والركل، ولم يتدخل أحد لإنقاذه
وأطل اللبنانيون في مواقع التواصل مستغربين
وانتفض لبنانيون في مواقع التواصل على الجريمة، مجمعين على أمر مهم، عبر عنه أحدهم اسمه Ayman Said Mahmoud في "فيسبوك" بعبارة قال فيها: "شي بيشرف فعلا ولو ما في رجال قدر أو استرجي يقرب يفض المشكل عيب على الرجال لما تكون بس على الهويه"، في استغراب من عدم محاولة أحد فض النزاع قبل أن يحتدم وينتهي بالقتل في قارعة الطريق ووضح النهار.
وكتبت "فيسبوكية" اسمها Mona Al-achkar Jabbour إن "ما لفتني في هذا الحادث سلبية الناس في الشارع، وأتساءل هل خلت أرضنا من الرجال؟ أو من الإنسانية؟ وكيف لم يبادر أحد ولو إلى ضرب المعتدي بأي شيء على رأسه. يا حيف على الرجال وعلى الإنسان في لبنان"، وفق تعبيرها.
أما Khalil Helou في "فيسبوك" أيضا، فكتب: "إن الجاني كونه يتعاطى المخدرات جرمه مزدوج ولا أسباب تخفيفية له (..) إضافة إلى ذلك هناك من يعتبر نفسه محمياً سياسياً في لبنان (ومن كافة الجهات الحزبية) وفوق القانون لأنه يعيش أجواء تضعه في تصور أنه هو وزعيمه كلاهما فوق القانون، وأنه يسمح له بالدوس على الناس كما يشاء. حان الوقت للثورة على هذه الظاهرة". كذلك قال Non BoOdy وهو "فيسبوكي" مقيم في دبي: "إن لم يعدم مرتكب الجريمة وفوراً وإلا فليس هناك دولة".
وهنا مقطع مصور لعملية القتل التي تمت أمام مجموعة من المارة