الموضوع: قصة حب مجوسية
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-03-2007, 02:45 PM   #11
ماكنزي
][§¤حلا ذهبي ¤§][
 
الصورة الرمزية ماكنزي
 
الملف الشخصي:
تاريخ التسجيل: Jan 2006
رقم العضوية: 19945
المشاركات: 3,548
عدد المواضيع: 344
عدد الردود: 3204


مزاجي اليوم:


تقييم العضو:
ماكنزي is on a distinguished road

ماكنزي غير متصل
افتراضي مشاركة: قصة حب مجوسية

(7)

من 31 الى 36

شعرت بلفحة الكآبة تخنقني لما رأيتها هكذا حزينة ، وتمطت كآبة سودا في قلبي لما تصوّرت ان الانسان يمكن ان يحزن هكذا!
في وقت ما، (لا أدري أي وقت ، لأن اموراُ كثيرة عبرت رأسي دون روية) جاءت الى الصالة وحدها . كنا وحيدين في الصالة . تصورا ، كنا وحيدين . شعرت بالخوف . بدأت أرتجف . انقذفت الى ذاكرتي كلمات قرأتها ذات يوم على قبر . نظرت اليها . كانت حزينة بشموخ ، قالت لي عيناها وهما تنسكان عليّ : ماذا تريد؟ نعم قالت ذلك عيناها . قالته بطريقة آسرة ومدمرة أصابني الخوف أكثر من قبل . تكّومت . أستندت الى الكرسي لكي لا أتمزق . سقط كرسي آخر من الحركة البلهاء تموجت في داخلي . كان لسقوطه دوي يخض الدم ، لكن ابتسامتها التي حاولت أن تلملمها بثني رأسها ، جعلت كل شيء متفجراً.
جلست . أخذت مكاناً بعيداً وجلست . نظرت اليها بارتباك . هزّت رأسها وكأّنها تصمّم على شيء أو تغني . كنت أريد أن أجمعها بطريقة ما لأضمها في عيني . كانت تنظر عبر الجاج وتفكّر . أخرجت سجارة من حقيبتها ، شمّت رائحة التبغ بتلذذ . آه ، لو أن الشمس تحّولت في يدي الى جمرة . لو ان ذلك حصل مرة واحدة لأوقدت لها السجارة واحترقت . كنت أريد ان أفنى .
أن اذوب . لماذا لم اقترب ؟ لماذا تركتها تشعل السجارة والقداحة الذليلة تنام في جيبي كأّنها حثة حمامة ؟ تطلعت اليّ أكثر من مرة قبل أن تشعلها . بدا لي انها لا تجد كبريتاً ، كنت أعمى . كنت جباناً . وأنتم أيهّا الآباء المقدّسون ، هل تحاسبون رجلاً جباناً ، ولا يحمل في قلبة رغبة شريرة ، ويريد ان يشعل سيجارة امرأة حزينة ولا يستطيع ؟ يجب ان تقولوا شيئاً . ان الاعترافات التي ارتمت في ذاكرتكم لا تستطيع ان تهز شعرة في عرش الرب.
بدا لي كل شيء دون معنى .
فجأة نهضت . لم استطع أن انظر اليها. أحسست بنظراتها تحاصرني ، تلاحقني . لكن برعونة يائسة تصلّبت عضلاتي . أصبحت لا أنطر الاّ الى أمام .. وفي لحظة لم أعد أرى شيئاً.
وفي المرحاض ، الذي ذهبت اليه دون أن أدري ، لم أفعل فيه شيئاً ، سوى اني قذفت القداحة بازدراء ، وخرجت.
كان مطر الصيف ، لكنه هذه المرة فقد قسوته وكثافته وبدا مزدهراً عابثاً وأقرب الى الرذاذ.
ابتعدت كثيراً عن الفندق . استندت الى شجرة وبكيت . لأول مرة أجد نفسي بعد سنوات طويلة أبكي . قولوا أقسى الكلمات . أبشعها . قلبي الذي بكى . كان قلبي كطفل يبكي دون أن يدري ، ولا يعرف لماذا؟ وأنتم ، الكبار ، المسنّون ، الوقورون ، المزهوون ، تسخرون من قلبي الذي بكى ؟ لا يهمني ، سوف انتقم منكم ذات يوم.
وفي وقت ما ( لا أدري أي وقت ، ان ذلك شيء غريب للغاية) مرّ ثلاثة فلاحين . قلت لأحدهم ، وكان يضع غليوناً في فمه:
- لديّ تبغ . تبغ جيد ، وأريد نبيذاً جيداً بدل التبغ.
- كانت طريقتي في الكلام لذيذة ، أو هذا ما بدا لهم .
ضحكوا . نظروا اليّ بحب. قال لي واحد منهم:
- امش معنا وخذ زجاجة كبيرة من النبيذ ، ولا نريد التبغ .
- التبغ أو لا أريد شيئاً.
هزوا رؤوسهم بصمت ومشينا معاً . كنا أغلب الوقت صامتين . لكن قبل أن نصل القرية ، انفجر واحد منهم بضحكة عالية، دون سبب . نظر الآخران اليه باستغراب ، ثم شاركاه الضحك . قال الذي ضحك أولاً وهو يغرق من الضحك اكثر من قبل:
- رأيت مرة رجلاً أسود قرب السوق . كان حزيناً أكثر مما ينبغي ، طلب الي أن أعطيه نبيداً مقابل حذائه ، رفضت . رجا نبيذاً مقابل شيء أهم من ذلك بكثير.
وبلهفة سأله أحد الرجلين :
- ماذا أخذت منه؟
- قال:
- في الليل أخذت أفكاره ، كان يفكّر بالانتحار من اجل امرأة ، لكن في الليل بعد ان شربنا وغنينا وضحكنا كثيراً ، بدا الرجل يبكي ويشتم نفسه ، وفي الصباح لم يفكر بشيء سوى أن يهرب منا !
عندما سمعت القصة توقفت ، وتوقف الرجال . نظروا اليّ بأستغراب . قلت :
- لا أريد شيئاً!
ولما ابتعدت قلت كلمات أظنهم لم يسمعوها .قلت لهم :
" انتم رجال ماتت قلوبهم ، ولا تعرفون معنى الحب "
ركض ورائي احد الرجال الثلاثة ، قال والمسافة بيننا لا تزال خطوات كثيرة :
- تعال يابني ، عندنا كل ماتريد ، النبيذ والحب.
توقفت حتى وصل ، نظرت في وجهه . بدا حزيناَ . قلت :
- كنت أمزح ، لا أريد شيئاً!
- لم يفهم أوّل الامر ، ظلّ ينظر اليّ ، لكن لا يراني . تأكدت ان هماً في قلبه يعذبه . استخرجت سيجارة ، وأولعتها ، ثم قدمتها اليه . تناولها بصمت وهزّ رأسه . قلت وأنا استعد للرحيل :
- الأفضل أن أعود ، والأفضل أن تعود أنت.
هزّ رأسه بأسى ، ورفع يديه بتحية صغيرة وأسف.
قلت لنفسي وأنا اتجه الى الفندق : ايّها الآباء المقدسون ، تعالوا واسمعوا اعترافات رجل حزين . الأرض مليئة بالرجال الحزانى . وحتى الآن لم تسمعوا سوى اعترافات المخطئين ، اما الذين يموتون كل لحظة ، فأنتم لا تعرفونهم ، حتى الذي في السماء، يسند على يد ويعبث باليد الأخرى ، لا يعرف الآلالم التي يعاني منها الحزانى ، واذا كان يعرف فلماذا خلق هذا المقدار كله من الحزن!
لما وصلت وصلت قريباً من الفندق نظرت الى الخلف . لم أر الرجال . كانت أضواء القرية تبدو باهته متعبة ، كأنها تسحب نفسها من أعماق مغارة الكراهية!
حتى التاسعة نمت . في السهرة لم أجد مكاناً في الصالة الاّ بصعوبة . كان الغرباء قد اتوا ، أماّ هي فلم أرها. هل أتت ؟ هل ذهبت مبكرة؟ ألا تزال حزينة ؟ وهل يحتمل أن تكون قد آوت الى فراشها جائعة ؟ وهو.. أين هو ؟


يتبع (8)
التوقيع:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة