05-02-2005, 02:21 PM
|
#91
|
(حلا نشِـط )
|
تـــــــــــــابع
ذهبت دانة إلى دورة المياه ، و السيدة استأذنت و غادرت لدقائق.. و بقيت أنا متهالكة على المقعد و وليد واقف إلى جواري..
قال :
" أأنت بخير صغيرتي ؟؟"
لا ! كيف لي أن أكون بخير ؟؟ إنني في حال من أسوأ الأحوال التي مرت علي ّ ... بدأت بالبكاء ألا أن دموعا لم تخرج من عيني ...
وليد جلس بقربي و قال :
" ستكونين بخير.. نجونا من الموت .. الحمد لله "
شعرت لحظتها برغبة في الارتماء في حضنه.. و البكاء على صدره.. و الاسترخاء بين ذراعيه.. أنا متعبة و أتألم.. أريد من يواسيني و يشجعني.. أريد حضنا يشملني و يدا تربت علي.. أريد أمي.. أريد أبي.. أريد وليد.. و لم أنل منه غير نظرات مشجعة..
أقبلت السيدة تحمل معها وشاحين.. قدّمتهما إلي..
نزعت ُ عن رأسي ما كنت أتحجّب به، و لففت أحد الوشاحين حول رأسي ، على مرأى من وليد ...
و عندما عادت دانة ، و قد غسلت وجهها و قدميها الحافيتين أعطيتها الوشاح الآخر...
قالت :
" تعالي لأغسل جرحك رغد..."
و أيضا لم أتحرّك .. ففوق تعبي و إعيائي و الدوار الذي أشعر به.. أنا خائفة..
نعم خائفة..
السيدة قامت بنفسها بإحضار وعاء يحوي ماء .. و وضعته عند قدمي ّ و قالت :
" هل أساعدك ؟ "
دانة قالت :
" شكرا لك ، سأفعل ذلك "
ثم أخذت تحل الضماد ـ و الذي هو عبارة عن كم قميص وليد ـ من حول قدمي .. و غمرتها بعد ذلك في الماء النظيف الدافئ..
بدأت الأوجاع تتفاقم و تتزايد..و أخذت أئن و أصيح .. لكنني لم أقاوم.. و استسلمت لما فعلته دانة بقدمي.. و أنا مغمضة العينين..
عندما فتحتهما كانت قد انتهت من لف قدمي بالضماد ... كما أن السيدة أحضرت ماءا نظيفا لأغسل قدمي الأخرى...
كل هذا و أنا ملتزمة الصمت و السكون إلا عن أنات و صياح ألم..
و الآن، جاءت الفتاة تحمل صينية ملآى بالشطائر بينما يتبعها العجوز حاملا صينية أخرى رُصّت علب العصير الورقية فوقها...
و وضعا الطعام و الشراب أمامنا و الفتاة تقول :
" تفضلوا هذا لحين نضج الحساء "
لم يمد أحدنا يده.. ما الذي يجعلنا نفكّر بالطعام في وقت كهذا ؟؟ فراح أصحاب المنزل يحثوننا على الطعام..
وليد تناول اثنتين من علب العصير و قدمهما لي و لدانة، فأخذت علبتي و شربت ما بها ببطء...
أصحاب المنزل الثلاثة استأذنوا منصرفين عنا، ربما لنتصرف بحرية أكبر..
وليد أيضا وزع الشطائر علينا ألا أنني رفضت تناولها..
" خذي يا رغد.. لابد أنك جائعة جدا.. كلي واحدة على الأقل"
" لا أريد "
" هيا أرجوك .. ستموتين إن بقيت بلا طعام ساعة بعد "
و لم يفلح في إقناعي.. لكنه و دانة تناولا شيئا من الطعام بصمت..
لحظات و إذا بالفتاة تقبل بأقداح الحساء الساخن.. و تقدمها إلينا ثم تنصرف..
أجبرت نفسي على رشف ملعقتين من الحساء.. ثم أسندت رأسي إلى المقعد و أغمضت عيني..
كنت أسمع أصوات الملاعق .. و حركة الأواني .. و ربما حتى صوت بلعهما للطعام و هضم معدتيهما له ! و أسمع كذلك صوت نبضي يطن في أذني.. و أنفاسي تنحشر في أنفي.. و الآن .. صوت وليد يناديني ..
" رغد "
فتحت عيني فوجدته ينظر إلي بقلق.. و يعيد السؤال :
" أأنت بخير ؟؟ "
قلت :
" أنا متعبة "
قال :
" سأتحدّث معهم .. "
ثم نهض و نادى :
" أيها العم الطيب .. "
ظهر الثلاثة من حيث كانوا يختبئون عنا ..
قال وليد :
" اعذرونا رجاء ً.. إننا في غاية التعب فقد قضينا ساعات طويلة نسير في الخلاء.. أين يمكننا المبيت بعد إذنكم ؟؟ "
قالت السيدة :
" ستنام ابنتي معي في غرفتي و يمكن للفتاتين المبيت في غرفتها.. سنعد فراشا أرضيا إضافيا "
و قال العجوز مخاطبا وليد :
" و أنت غرفتك كما هي "
قال وليد :
" هذا جيّد ... "
ثم أضاف :
" أشكركم جميعا جزيل الشكر.. إنني "
و مرة أخرى قاطعته السيدة و قالت :
" لا داعي لكل ذلك يا سيد وليد، ألم نكن كالعائلة؟ جميعكم أبنائي.. "
ثم أضافت مخاطبة الفتاة :
" خذي الفتاتين إلى غرفتك "
الفتاة أقبلت نحونا و هي تبتسم و تقول :
" تفضلا معي .. "
كلانا نظرت إلى وليد بتردد.. فقال الأخير :
" هيا عزيزتاي "
و هز رأسه مطمئنا.. يبدو أنه على علاقة وطيدة بهم.. و يثق بهم كثيرا..
وقفت دانة و وقفت معها .. ثم قلت لوليد :
" و أنت ؟ "
قال :
" سأبات في غرفة في الخارج تابعة للمنزل "
هززت رأسي اعتراضا شديدا ... مستحيل ! و عوضا عن مرافقة الفتاة اقتربت منه هو ، و قلت :
" لن تذهب و تتركنا "
قال :
" إنها غرفة خارجية اعتدت المبيت فيها.. ملاصقة للمنزل تماما "
هززت رأسي بإصرار أشد :
" لا .. لا "
وليد نظر إلي بضيق و تعب و أسى .. كأنه يرجوني أن أطلق سراحه و أدعه يرتاح قليلا..
قال :
" ستكونين بخير.. هذه عائلتي "
ألا أنني ازددت إصرارا و رفضا و قلت :
" سأذهب معك "
وليد و دانة تبادلا النظرات .. و لم يعرف أي منهما ما يقول..
مددت يدي فأمسكت بيده مؤكدة أكثر و أكثر بأنني لن أسمح له بالابتعاد عني..
أخيرا تكلّم وليد مخاطبا أصحاب المنزل :
" إن لم يكن في ذلك ما يزعجكم .. فسنبيت في الغرفة الخارجية نحن الثلاثة.. و نحن آسفون لكل ما سببناه لكم من إزعاج .. "
العجوز تكلّم و قال :
" كما تشاءون يا بني.. سأجلب المزيد من الفرش و البطانيات لكم "
و تحرك الثلاثة ، و أحضروا البطانيات و حملوها سائرين نحو الباب، و سرنا معهم إلى خارج المنزل ..
كانت الغرفة المقصودة هي غرفة تابعة للمنزل مفصولة عنه بجدار مشترك.. و كانت صغيرة نسبيا و بداخلها سرير صغير و أثاث بسيط ، و تتبعها دورة مياه صغيرة قريبة من الباب..
الثلاثة و معهم وليد تعاونوا في تحضير فراشين أرضيين على المساحة الحرة من الغرفة.. و حالما انتهوا ، قال العجوز ..
" أتمنى لكم نوما هانئا "
و عقّبت السيدة :
" تصبحون على خير"
أما الفتاة فقد أسرعت بالذهاب ثم العودة بصينية الشطائر و بعض العصائر .. و وضعتها على المنضدة الصغيرة التابعة لأثاث الغرفة و هي تقول :
" فيم لو احتجتم أي شيء فلا تترددوا في طلبه ! "
وليد قال :
" شكرا جزيلا..هل نستطيع استخدام الهاتف ؟ "
قال العجوز :
" بكل تأكيد.. "
فشكرهم كثيرا و كذلك فعلت دانة ، ثم انصرفوا ...
و فور خروجهم أقفل وليد الباب و أقبل إلى الهاتف .. و اتصل بأحد الأرقام .. و كان أول ما نطق به بعدها و بلهفة شديدة :
" سامر .. يا عزيزي .. أأنت بخير ؟؟ "
~~~~~~~~
|
|
|
|