02-01-2005, 08:11 PM
|
#59
|
(حلا نشِـط )
|
تــــــــابع
أطلقتُ ضحكة عفوية على تعليقها خرجت من أعماق صدري ممزوجة ببقايا الدخان!
قلتُ بعد ذلك :
" إذن ... هل استعديتما للزفاف ؟؟ "
بشيء من الخجل قالت :
" تقريبا ... إنه يريد أن نتزوج بعد عودة والديّ من الحج مباشرة ! أبي يود تأجيل ذلك شهرين أو ثلاثة ... أما والدتي فتراه موعدا مناسبا جدا ، و تريد أن يتزوج سامر و رغد معنا دفعة واحدة ! "
و هذا خبر ليس فقط يحبس الأنفاس في صدري و يعصر معدتي ، بل و يستل روحي من جسدي ... و لن أعجب إن رأيتها تنسكب على الرمال أمامي كما انسكبت دمائي !
في هذه اللحظة أقبل سامر و رغد ... لينضموا إلينا
قال سامر :
" هل لنا بالانضمام إليكما ؟ تركنا الوالدين يشويان السمك ! "
قالت دانة ضاحكة :
" أوه أمي ! من سيلتهم المزيد ؟ أخبرتها ألا تحضر السمك و لكنها مولعة به كثيرا ! "
و استدارت نحوي :
" وليد كيف معدتك الآن ؟ ألا تحب أن تتناول بعض السمك المشوي ؟؟ "
" كلا ، لا طاقة لي بالطعام هذه الليلة "
و جلس سامر إلى جانبي الآخر ، و رغد إلى جانب دانة ...
قال :
" فيم كنتما تتحدثان ؟؟ "
قالت دانة :
" فيكما أنت و رغد ! كنت أخبر وليد أنكما حتى الآن لم تتخذا قرارا نهائياحاسما بشأن موعد الزفاف ! "
سامر ابتسم و قال :
" أنا جاهر و في انتظار أوامر العروس ! "
العروس هي رغد ! و رغد هي صغيرتي الحبيبة ... التي كنت أحلم بالزواج منها ذات يوم ... ثم فقدتها للأبد ... فهل لكم أن تتخيلوا حالي هذه اللحظة ؟؟
قالت دانة :
" هيا يا رغد ! قولي نعم و دعينا نحتفل سوية ! "
ثم غيرت النبرة و قالت مداعبة :
" و لكن كوني واثقة من أنني سأكون الأجمل بالتأكيد ! "
أذناي طارتا نحوها ، حتى كادتا تلتصقان بشفتيها أو حتى تخترقان أفكارها لأعلم ما ستقوله قبل أن تقوله ... تكلمي رغد ؟؟
رغد ظلت صامتة ... و أنا أذناي تترقبان بصبر نافذ ... هيا يا رغد قولي أي شيء ... ارمني بسهام الموت واحدا بعد الآخر ...
اطعنيني بخناجر الغدر و حطمي قفصي الصدري و مزقي الخافق الذي ما فتئ يحبك مذ ضمك إليه طفلة يتيمة وحيدة ... توهم أنها خلقت من أجله فجاءت قذائفك تدمر قلعة الوهم التي بنيتها و عشت بداخلها 15 عاما ... أو يزيد ...
و أقسم ... أقسم أنك لو تزوجت مع شقيقتي في نفس الليلة ، فإني سأتخلى عنها و أخذلها و أدفن نفسي بعمق آلاف الأميال تحت الأرض ، لئلا أحضر أو أشارك أو أبارك ليلة تزفين فيها إلى غيري ... مهما كان ...
بعد كل هذه المشاعر التي تصارعت في داخلي في ارتقاب كلمتها التالية ... و أذاني تصغيان باهتمام و تركيز شديد أكاد معه أسمع دبيب النمل ...
بعد كل هذا ... جاءني السهم المباغت التالي :
" وليد ... ما رأيك ؟؟ "
أنى لي أن أصف ما أود وصفه و أنا بحال كهذه ؟؟
تسألينني أنا عن رأيي ؟؟ رأيي في ماذا ؟؟
في أن تتزوجي شقيقي اليوم أو غدا أو بعد قرن ؟؟
في أن تذبحيني اليوم أو غدا ... أو بعد قرن ؟؟
أتشهد أيها البحر ؟؟
ألا يا ليتك تبتلعني هذه اللحظة ... فأمواجك العاتية ستكون أكثر لطفا و رحمة بحال رجل تسأله حبيبة قلبه : ما رأيك بموعد زفافي !
تحركت يداي إلى علبة السجائر الموضوعة على الأريكة الجالسة خلفي ، و تناولت واحدة و أشعلتها في محاولة مستميتة للفرار من جملة رغد ، التي كنت قبل ثواني أتوق لسماعها و أرسل أذنيّ نحو لسانها لالتقاط الجملة بسرعة فور خروجها ...
بدت اللحظة التالية كالساعة بل كالقرن في طولها ..
سحبت نفسا عابقا بالدخان المنبعث من السيجارة المضغوطة بين شفتي ...
و أطلقت زفرة قوية ... حسبت معها أن روحي قد انطلقت ، و الدخان قد لوث الكرة الأرضية بكاملها ...
قلت ... بعدما عثر لساني على بضع كلمات مرمية على جانبية :
" الأمر عائد إليكما "
و وقفت ...
و قلت :
" معذرة ... سأدخن في مكان آخر "
و انصرفت عنهم ...
سرت مبتعدا ، و وقفت موليا إياهم ظهري ... انفث السموم من و إلى صدري و أقاوم آلام قلبي و معدتي ... و أحترق .
بعد فترة ، انتهت رحلتنا و آن أوان العودة إلى البيت ...
لم أكن أريد أن أركب سيارة سامر ... فقربه و قربها مني يعني مزيدا من الألم و الاحتراق ، لكنني حين رأيت دانة تركب سيارة والدي ، و رغد تقف عند سيارة سامر ... توجهت تلقائيا و جلست على المقعد الأمامي ، لأمنعها من الجلوس عليه !
مشوار العودة كان طويلا مملا ... فقد التزمنا الصمت ... و رغد نامت !
" وصلنا عزيزتي ! "
قال سامر ذلك و هو يلتفت إلى الوراء ، ليوقظ رغد ...
كنا قد وصلنا قبل الآخرين ...
فتحت أنا الباب و هبطت من السيارة ، و رأيت رغد تستفيق ...
ذهبت إلى مؤخرة السيارة أفرغ حقيبتها من حاجيات الرحلة ، ثم أحملها إلى داخل المنزل ...
و أقبل سامر يساعدني ، و حين وصلت إلى الباب ، جاءت رغد بمفتاح سامر و فتحته لي ... و انطلقت مسرعة نحو الباب الداخلي تفتحه على مصراعيه لأدخل بما تحمل يداي ، و أتجه نحو المطبخ ...
وضعت الأشياء في المطبخ و استدرت راغبا في العودة لجلب البقية ... رغد واقفة عند باب المطبخ تراقبني ...
حين مررت منها ...
" وليد "
وقفت ... و عاودني الشعور بالألم في معدتي فجأة ... يكفي أن أسمعها تنطق باسمي حتى تتهيج كل أوجاعي ...
لم أرد ، و لكنني توقفت عن السير منتظرا سماع ما تود قوله ...
" وليد "
عادت تناديني ... تعصرني ...
" نعم ؟؟ "
قالت :
" ألم يعد يهمك أمري ؟؟ "
فوجئت بسؤالها هذا فالفت إليها مندهشا ...
كانت عيناها حمراوين ربما من أثر النوم ... و لكن القلق باد عليهما ...
" لم تقولين ذلك !؟ "
قالت :
" لم لم تبد رأيك بشأن زواجي ؟؟ "
تصاعدت الدماء المحترقة إلى شرايين وجهي و ربما إلى حلقي لكنني ابتلعتها عنوة
قلت :
" إنه أمر يخصكما وحدكما ... و لا شأن لي به "
رغد هزت رأسها اعتراضا ثم قالت :
" لكن وليد ... أنا ... "
و لم تتم الجملة ، إذ أن أخي سامر أقبل يحمل بعض الأغراض ، فسرت أنا خارجا لجلب المتبقي منها ...
فيما بعد ، و سامر يحمل بطانية و وسادة قاصدا الذهاب للنوم في غرفة الضيوف و تركي أنام في غرفته ، كما أصر ... و قبل أن يخرج من الغرفة توقف و قال :
" وليد ... هل لي بسؤال ؟ "
" تفضل ؟؟ "
تأملني لحظة ثم قال :
"وليد ... لماذا ... قتلت عمّار ؟؟ "
~~~~~~~~~~
|
|
|
|