25-01-2006, 01:20 AM
|
#1
|
شخصية هامة
|
إذا لم تبك في حياتك فاقرأ هذه القصة
|
|
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
لم اكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول ابنائي..مازلت اذكر تلك الليلة..بقيت إلى اخر الليل مع الشلة في إحدى الاستراحات ..كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ..بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...كنت انا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم ..وغيبة الناس..وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيرا ..كنت امتلك موهبة عجيبة في التقليد..بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد مني أحد حتى اصحابي..صار بعض الناس يتجنبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسول في السوق...والادهى أني وضعت قدمي امامه فتعثر وسقط يتلفت برأسه لا يدري مايقول..وانطلقت ضحكتي تدوي في السوق ..
عدت إلى بيتي متأخرا كالعادة..وجدت زوجتي في انتظاري..كانت في حالة يرثى لها..قالت بصوت متهدج :راشد ..اين كنت؟
قلت ساخرا: في المريخ..عند اصحابي بالطبع..
كان الاعياء ظاهرا عليها ..قالت والعبرة تخنقها: راشد... انا تعبة جدا..الظاهر ان موعد ولادتي صار وشيكا..سقطت دمعة صامتة على خدها..احسست اني اهملت زوجتي..كان المفروض أن اهتم بها وأقلل من سهراتي..خاصة أنها في شهرها التاسع.
حملتها إلى المستشفى بسرعة..دخلت غرفة الولادة..جعلت تقاسي الالام ساعات طوال ..كنت انتظر ولادتها بفارغ الصبر..تعسرت ولادتها..فانتظرت طويلا حتى تعبت..فذهبت الى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.
بعد ساعة..اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت الى المستشفى فورا ..اول ما رأوني اسأل عن غرفتها .. طلبوا مني مراجعة الطبيبة التي اشرفت على ولادة زوجتي .
صرخت بهم: اي طبيبة؟! المهم ان ارى ابني سالم .
قالوا , اولا راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار.. ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدو انه فاقد البصر!!
خفضت رأسي .. وانا ادافع عبراتي .. تذكرت ذاك المتسول الاعمى الذي دفعته في السوق واضحكت عليه الناس .
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجما قليلا .. لا أدري ماذا اقول.. ثم تذكرت زوجتي و ولدي .
فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي ..كانت مؤمنة بقضاء الله ..راضية.طالما نصحتني ان اكف عن الاستهزاء بالناس..كانت تردد دائما, لاتغتب الناس..
خرجنا من المستشفى,وخرج سالم معنا. في الحقيقة, لم اكن اهتم به كثيرا.اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه اهرب الى الصالة لأنام فيها.كانت زوجتي تهتم به كثيرا,وتحبه كثيرا. اما انا فلم اكن اكرهه,لكني لم استطع ان احبه!
كبر سالم .. بدأ يحبو..كانت حبوته غريبة..قارب عمره السنة فبدأ يحاول يمشي..فاكتشفنا انه اعرج.أصبح ثقيلا على نفسي اكثر.انجبت زوجتي بعده عمر وخالد.
مرت السنوات وكبر سالم وكبر اخواه.كنت لااحب الجلوس في البيت. دائما مع اصحابي.في الحقيقة كنت كاللعبة في ايديهم.
لم تيأس زوجتي من إصلاحي.كانت تدعو لي دائما بالهداية.لم تغضب من تصرفاتي الطائشة,لكنها كانت تحزن كثيرا إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
كبر سالم وكبر معه همي. لم امانع حين طلبت زوجتي تسجيله في إحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .لم اكن احس بمرور السنوات. أيامي سواء.. عمل ونوم وطعام وسهر.
في يوم جمعة,استيقظت الساعة الحادية عشر ظهرا.مايزال الوقت مبكرا بالنسبة لي.كنت مدعوا إلى وليمة.لبست وتعطرت وهممت بالخروج.
مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم.كان يبكي بحرقة!
إنها المرة الاولى التي انتبه فيها إلى سالم يبكي منذ كان طفلا.عشر سنوات مضت , لم التفت إليه.حاولت ان اتجاهله فلم احتمل.كنت اسمع صوته ينادي امه وانا في الغرفة.التفت...ثم اقتربت منه قلت:سالم! لماذا تبكي؟!
حين سمع صوتي توقف عن البكاء. فلما شعر بقربي, بدأ يتحسس ماحوله بيديه الصغيرتين. مابه ياترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
وكأنه يقول:الان احسست بي.أين كنت منذ عشر سنوات؟! تبعته...كان قد دخل غرفته.رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه.. بدأ سالم يبين سبب بكائه, وانا استمع اليه وانتفض.
أتدري مالسبب!! تأخر عليه اخوه عمر, الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة,خاف الا يجد مكانا في الصف الاول.نادى عمر..ونادى والدته ولكن لامجيب..فبكى.
أخذت انظر الى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم استطع ان احتمل بقية كلامه.وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت ياسالم !!
قال :نعم..
نسيت اصحابي ونسيت الوليمة وقلت: سالم لاتحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: اكيد عمر.. لكنه يتاخر دائما..
قلت :لا..بل انا سأذهب بك..
دهش سالم.. لم يصدق. ظن أني اسخر منه. استعبر ثم بكى.مسحت دموعه بيدي وامسكت يده. أردت ان اوصله بالسيارة. رفض قائلا. المسجد قريب..اريد ان اخطو الى المسجد_إي والله قال لي ذلك.
لا اذكر متى اخر مرة دخلت فيها المسجد, لكنها المرة الاولى التي اشعر فيها بالخوف والندم على مافرطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئا بالمصلين,إلا اني وجدت لسالم مكانا في الصف الاول واستمعنا لخطبة الجمعة معا وصلى بجانبي...بل في الحقيقة انا صليت بجانبه.
بعد انتهاء الصلاة طلب مني سالم مصحفا. استغربت! كيف سيقرا وهو اعمى:كدت ان اتجاهل طلبه,لكني جاملته خوفا من جرح مشاعره. ناولته المصحف...طلب مني انا افتح المصحف على سورة الكهف. اخذت اقلب الصفحات تارة وانظر في المصحف تارة.. حتى وجدتها.
اخذ مني المصحف ووضعه امامه وبدأ في قراءة السورة... وعيناه مغمضتان ..يالله!! إنه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
خجلت من نفسي.امسكت مصحفا..احسست برعشة في اوصالي..قرات وقرات..دعوت الله ان يغفر لي ويهديني..لم استطع الاحتمال ...فبدأت ابكي كالأطفال.كان بعض الناس لايزال في المسجد يصلي السنة...خجلت منهم فحاولت ان اكتم بكائي.تحول البكاء الى نشيج وشهيق ...
لم اشعر الا بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح على دموعي.إنه سالم ضممته الى صدري...نظرت اليه .. قلت في نفسي..لست انت الاعمى بل انا الاعمى.حين انسقت وراء فساق يجرونني الى النار
عدنا الى المنزل .كانت زوجتي قلقة كثيرا على سالم.لكن قلقها تحول الى دموع حين علمت اني صليت الفجر مع سالم..
من ذاك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء..واصبحت لي رفقة خيرة عرفتها في المسجد.ذقت طعم الايمان معهم.
عرفت منهم اشياء الهتني عن الدنيا.لم افوت حلقة ذكر او صلاة وتر.ختمت القران عدة مرات في الشهر.رطبت لساني بالذكر لعل الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من الناس .احسست اني اكثر قربا من اسرتي.اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي.الابتسامة ماعادت تفارق وجه ابني سالم.من يراه يظنه ملك الدنيا ومن فيها.حمدت الله كثيرا على نعمه.
ذات يوم..قرر اصحابي الصالحون ان يتوجهوا الى إحدى المناطق البعيدة للدعوة . ترددت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت انها سترفض ... لكن حدث العكس! فرحت كثيرا , بل شجعتني . فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون إشتشارتها فسقا وفجوارا
توجهت الى سالم . اخبرته اني مسافر فضمني بيديه الصغيرين مودعا ... تغيبت على البيت 3 اشهر ونصف, كنت خلال تلك الفترة أتصل كلما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدث أبنائي. اشتقت إليهم كثيرا... آآآه كم إشتقت الى سالم !! تمنيت سماع صوته ... هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت . إما ان يكون في المدرسة أو المسجد ساعة عند اتصالي بهم .
كلما حدثت زوجتي عن شوقي اليه, كانت تضحك فرحا وبشرأ , الا اخرمرة هاتفتها فيها.
لم أسمع ضحكتها الموقعة. تغير صوتها.. قلت لها:أبلغي سلامي الى سالم فقالت:ان شاء الله وسكتت..
اخيرا عدت الى المنزل.طرقت الباب تمنيت ان يفتح لي سالم,لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.حملته بين ذراعيه وهو يصرخ:بابا.بابا..لا ادري لماذا انقبض صدري حين دخلت الى البيت.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم.
اقبلت الى زوجتي ..كان وجهها متغيرا.كانها تتصنع الفرح
تاملتها جيدا ثم سالتها: مابك؟
قالت : لاشئ
فجأة تذكرت سالما فقلت..اين سالم؟
خفضت راسها..لم تجب.سقطت دمعة حارة على خديها..
صرخت بها سالم..سالم!اين سالم..؟
لم اسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا..ثالم لاح الجنة..عند الله..
لم تتحمل زوجتي الموقف.اجهشت بالبكاء.كادت ان تسقط على الارض,فخرجت من الغرفة.
عرفت بعدها ان سالم اصابته حمى قبل موعد مجيئي باسبوعين فاخذته زوجتي الى المستشفى..فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه.حين فارقت روحه جسده..
إذا ضاقت عليك الارض بما رحبت, وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ..يالله
اذا بارت الحيل, وضاقت السبل,وانتهت الامال,وتقطعت الحبال,نادي..يالله
تحيــــــــــــــــــــــاتي |
|
|
|
|
|
|
|
|