منتديات حــلا - اقتصاد متهالك

اقتصاد متهالك

أصبح الاقتصاد الأمريكي متهالكا لدرجة لايمكن التنبؤ فيه بالأحداث القادمة وكيف سيكون عليه الوضع خصوصا إذا علمنا أن الاقتصاد العالمي برمته أصبح يمر ببداية الكساد العالمي والذي من الممكن أن يجتاح العالم بأسره في لحظة أسرع من لمح البصر.

واقع الاقتصاد الأمريكي يقوم على النظام الراسمالي والذي يهتم بتنمية رأس المال بدون اي أعتبارات أخرى للمجتمع ككل , فأهم ما يهتم به النظام الراسمالي هو مصلحة صاحب رأس المال بغض النظر عن المجتمع المحيط و بعكس النظام الشيوعي والذي كان معمولا به بشكل أوسع في ما كان يسمى سابقا بالأتحاد السوفيتي والذي يهتم بالدولة وأنها محور الحياة فالفرد في خدمة الجماعة ويجب أن لا يضع لنفسه أي أعتبار بعيدا عن الجماعة فهو مملوك للدولة وارضه وعرضة وكل ما على الدولة هو ملك للدولة .

أما النظام المالي الإسلامي فاثبت على مر العصور أنه النظام الباقي والمطور لرأس المال والمنمي للثروات وفي نفس الوقت لا يهمل المصلحة العامة للمجتمعات الإسلامية وذها ليس تحيزا للنظام الإسلامي لأنني أنتمي إلى دولة أسلامية تطبقة ولكن هو الواقع والحقيقة .

إذا فما الذي حل بالعالم وماذا حل بنا ولماذا هذا الفقر المدقع في بلادنا ولماذا تحولت أنظمتنا ؟ كل تلك التساؤلات الجواب عليها ببساطة هو دخولنا لمنظمة التجارة العالمية القائمة على مبداء النظام الرأسمالي والذي كانت الولايات المتحدة تريد تطبيقة على العالم بأسره بحكم أنها القوة الوحيدة المهيمنة على العالم والمسيطرة عليها ما دامت هي القطب الأوحد الذي لا غالب له .

عندما دخلت العديد من الدول العربية والإسلامية في اتفاقية التجارة العالمية ووالتي تسمى أختصارا بمنظمة القات وهي فعلا ذات مفعول مثل مفعول النبتة الخبيثة التي تسمى بالقات أصبحت الحكومات غير قادرة على دعم السلع وأجبرت على توقيف بعض النشاطات التجارية والاستثمارية في بلادها و التي كانت في الماضي تشكل ركيزة من ركائز دعم الاقتصاد وتنوعه فأوقفت بعض الدول الزراعة بحكم أن زراعة القمح تترك للولايات المتحدة ما دامت سوف توفره لدول العالم المختلفة فهي المصدر الأول للقمح في العالم بل كانت إلى وقت قريب تصرف العديد من حاويات القمح في المحيط الهادي لتتغذى عليه الأسماك ولا تقوم بدفعه لفقراء العالم حتى لا يحصلوا على ثروات تساهم في تحسين وضعهم المعيشي ومن ثم يهبط سعر القمح لتوفره في الأسواق فمنظمة التجارة العالمية والدخول فيها هو السبب الحقيقي في موجات الغلاء التي ألمت بالناس في مختلف الدول.

أن ما حل أخيرا في النظام الرأسمالي بالولايات المتحدة ما هو إلا البداية في اقتصاد أصبح متهالكا فكيف لدول العالم ودول الخليج بالذات أن تساهم في اقتصاد متهالك رفض الكونجرس الأمريكي نفسه أن يتبناها , وستعاد إليه مره أخرى ليتبناها بالقوة بعد ان يتم التعديل عليها وذلك بأن تدعم الدول العربية والعالمية القادرة تلك الخطة .

أذكر أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال قبل عدة أسابيع أن الخلل في النظام الرأسمالي وعلى فرنسا أن تتنبه لذلك وتعيد حساباتها وهو في هذه النقطة قد صدق مع بلادة ففعلا أن المكابرة لا تنفع في وقت الأزمات لأن المزيد من المكابرة سيؤدي بالفعل إلى المزيد من الموت والجوع والقهر للشعوب التي تنتظر الحلول الجذرية لأزماتها المالية.

فمن الطبيعي أن تفشل خطة الإنقاذ التي أراد منها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الخروج من عنق الزجاجة التي وضع فيها نفسه خلال فترته الرئاسية،فقد أشارت العديد من التقارير الاقتصادية في بعض المراكز الاقتصادية المتخصصة بالولايات المتحدة الأميركية أن المبلغ الذي طلبه الرئيس الأميركي والمقدر بـ 700 مليار دولار قد يزيد ليصل إلى 800 مليار دولار و لن يحل الأزمة بشكل كامل.

في الحقيقة أن موافقة الكونجرس الأمريكي على الخطة سيهدئ من الأزمة لأشهر قليلة قادمة ولكنه لن يحلها بشكل جذرري، و كأن الرئيس الأمريكي يريد الخروج من الرئاسة ولا يزال الوضع مستقرا في الولايات المتحدة، وفي هذه الحال يتسلم الرئيس الجديد الأزمة لتكون في مسئوليته بعيدا عن بوش وحياته الخاصة والمأزق الذي وضع فيه بلادة.

ويعتبر الوضع خطير جدا الآن وقد لا يمكن التنبؤ بالأحداث القادمة خصوصا وأن الوضع يمر بمرحلة حرجة مع قرب الانتخابات الرئاسية، و خاصة مع توجه العديد من الأميركيين للحدود الكندية وذلك للحصول على فرص عمل فيها وأيضا للاستقرار في كندا وبدء حياة جديدة، لذا فأنه من الخطر الحقيقي على الصناديق السيادية في السعودية والخليج أن تشارك في خطة الأنقاذ التي اقترحها بولسن على الرئيس الأمريكي والتي وافق عليها مجلس النواب أخيرا بعد الكثير من الجدل, فيجب أن تبقى الصناديق السيادية الخليجية بعيدة ولو في الوقت الراهن عن السوق الأميركية خصوصا إلى ما قبل فبراير من عام 2009 ، حيث أن الأزمة قد تعصف بالعالم لتصبح أكبر كارثة اقتصادية عالمية.

لقد بدات أوروبا فعلياً في الحل المخالف للانظمة الرأسمالية المتبعة فيها وهو التأميم على المؤسسات والشركات المتعثرة وكذلك البنوك لأنقاذ بلدانهم من التخبط الذي يحدث في الاقتصاد الأمريكي , وبدأت أيضا فيه الولايات المتحدة الأميركية ولكنه لن يوقف الخسائر خاصة مع عجز العديد من الاقتصاديين عن تحديد نسبة الخسائر الناجمة عن الرهن العقاري.

يعتبر نظام الرهن العقاري من الأنظمة الرأسمالية التي تبنتها أمريكا منذ زمن طويل لتنمية رؤوس الأموال بعيدا عن النظرة المستقبلية للمجتمعات البشرية داخلها فنظام الرهن العقاري الذي وضع في الولايات المتحدة بعد عام 1929 يسمح بتملك المساكن للمواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة و يقوم على التقسيط لمدة تصل إلى 99 عاما، وباقساط ميسرة جدا ولكن مع استمرار هذا النظام إلى ما قبل أزمة الرهن العقاري، وجدت بعض البنوك عجزا في السيولة خصوصا بعد خسائر أميركا في الحروب والتي قدرت بأكثر من 700 مليار دولار وفي نفس الوقت وجدت عرضا لا يحصى من البيوت والمنازل المعروضة للبيع أو التي ستعرض للبيع في حال تخلي أصحابها الحاليين عنها, وكان كثير من المستفيدين يمتلك أكثر من منزل وذلك بإعطاء معلومات ائتمانية تختلف عما أعطي في المرات السابقة، وكان لنظام الرهن العقاري الفضل الكبير في ازدهار حركت البناء والتطور العمراني بالولايات المتحدة وفي الوقت نفسه كل ما نشاهده من عقارات فيها هو في الحقيقة لا يزال أغلبه مرهونا للبنوك، وعندما حدثت الكارثة في العام الماضي - كارثة الرهن العقاري - وتم كشف العديد من المعلومات الغير صحيحة عن المستفيدين وعدم قدرتهم على السداد أصبح العديد ممن يلتزمون أصلا بالسداد يتوقفون عن السداد لإحساسهم بأنهم يعانون من ظلم بسبب أن ما يقومون بتسديدة من مال يفوق أكثر من قيمة المنزل الفعلية،مما دعا الكثير بالتخلي عن مساكنهم والرجوع للبحث عن مساكن أرخص لأن العقار فعلياً أصبح العرض فيه أكثر من الطلب، وأصبحت الفجوة كبيرة بين العرض والطلب مما زاد من حجم المأساة .

منقول